مجاعة الصومال.. جريمة غربية
ترجمة: حسن شعيب
حتى
أفضل منظمات الغوث والمساعدة غير قادرة على الاعتراف بأخطائها ومن ثم
فشلها في التعامل مع المجاعة في الصومال, فهذه المساعدات التي تقدم
للمنكوبين تعتمد على التبرعات التي تجمعها المنظمات من المانحين وهم في
حاجة للشعور بالثقة والطمأنينة تجاه هذه المنظمات لتقديم الأموال لهم, وهذا
يعني أن قيمة حوالي 126 مليار دولار تجمع سنويا للمساعدات الدولية يمكن أن
تتوقف إذا لم تستطع منظمات الغوث تقديم صورة مقنعة بقدرتها على حب الغير
والتعامل مع الأزمات, مما يدفع هذه المنظمات, من ناحية, أن تؤدي دورها بشكل
جيد ورائع, أو ربما تجعله يبدو كذلك من ناحية أخرى, وذلك لتبدو هذه
المنظمة أو تلك في أبهى صورها لجمع أكثر ما يمكن من التبرعات.
وهذا
ما يظهر جليا في يوم 18 يناير 2012, لأن منظمتي (أوكسفام وأنقذوا الأطفال)
أكبر منظمتين للغوث في العالم, اعترفتا بتقصير المنظمات الدولية للغوث في
التعامل مع المجاعة في الصومال, حيث قالوا "على الرغم أن استجابة الصومال,
حكومة وشعب, للمجاعة في العام الماضي كانت منقوصة حتى تدهورت فأصبحت
عاجزة, فإن استجابة منظمات ووكالات الغوث والمساعدة التابعة للأمم المتحدة
للأزمة كانت معيبة للغاية مما أودى بحياة 100 ألف صومالي.
ولا
شك أن التضارب الواسع لتقديرات الوفيات يدل على المشكلة الأكبر التي تواجه
أي منظمة إغاثة داخل الصومال: فالعديد لا يعرف ما الذي يحدث هناك
بالتحديد, فهل هذا التقصير يعود لطبيعة الصومال كدولة تعيش تقريبا دون
حكومة أو قوانين تحكمها, فضلا عن الحروب التي تعاني منها طوال عقدين وربما
تكون هذه التضاريس الأكثر صعوبة في العالم بالنسبة لمنظمات الغوث للعمل
بها, وتتمثل هذه المعوقات في جنوب الصومال حيث ترفض قيادات جماعة الشباب
هناك المساعدة الغربية من حيث المبدأ, ومن ناحية أخرى تشدد أمريكا, أحد
أكبر المانحين, من الحظر على المساعدات حتى لا تقوم منظمات الغوث بتوزيعها
على الحركات المقاتلة في الصومال مثل حركة الشباب.
بيد
أن هذا الفشل الذي حققته منظمات الغوث يعود لاستجابتها للأزمة والتعامل
معها وتباطؤها, فهذه المنظمات الدولية لديها تنبؤات دقيقة للغاية عن
الأزمات في أفريقيا, ومنها منظمة "شبكة الإنذار المبكر لحدوث المجاعة"
والتي تنقل عبر الأقمار الصناعية ومعلومات الاستشعار عن بعد حول هطول
الأمطار ونمو النباتات ومن ثم تقديم تنبؤاتها حول المحاصيل الزراعية والأمن
الغذائي, وحسبما ذكرت منظمتي "أوكسفام" و"أنقذوا الأطفال" في تقريرها تحت
عنوان "تأخير خطير", بأن الجفاف والمجاعة التي أصابت شرق الصومال لم تكن
أزمة مفاجئة أو غير متوقعة.
بل
إن بداية التنبؤ بوقوع هذه الكارثة الإنسانية بدأ في أغسطس عام 2010 بعد
فشل موسم الأمطار وعدم هطوله, وبرغم أن هذه التنبؤات أصبحت حقيقية وواضحة
بشدة في نوفمبر وديسمبر 2010, وريادة التحذير في مارس العام الماضي بوقوع
"كارثة كبرى" ومجاعة في المناطق الأخرى, إلا أن هذه الندءات لم تجد آذانا
صاغية أو استجابة كافية, ولم تكن منظمة "شبكة الإنذار المبكر لحدوث
المجاعة" هي الوحيدة التي دقت ناقوس الخطر, حيث كان مكتب الأمم المتحدة
للشؤون الإنسانية أعلن أن معدل سوء التغذية الحادة يتزايد بشكل ملحوظ في
جنوب الصومال, حيث كان متوسط المعدل 16% في أغسطس 2010 (النسبة التي تستدعي
تلقائيا رفع حالات الطوارئ الانسانية للاستجابة), ثم ارتفع المعدل إلى 25 %
في يناير 2011, ثم وصل إلى 36 % في أغسطس من العام الماضي.
وفي
المقابل, لم تصل أي مساعدات أو تبرعات في الوقت المحدد لأن منظمات الغوث
والمساعدات لم تطلب, بل إن المساعدات لم تصل إلى الصومال واقعيا في الستة
شهور الاولى من العام الماضي, كما ان الأمم المتحدة, برغم بيانات مكتبها
للشؤون الإنسانية, لم تعلن عن وجود مجاعة ومناشدة العالم للمساعدة سوى في
يوليو 2011, وذلك بعدما سلطت وسائل الإعلام الضوء على الكارثة طول عام كامل
بعد التحذيرات الاولى, وبدأت العديد من منظمات ووكالات المساعدات والإغاثة
تتحرك ببطء شديد, بما فيهم منظمتي "أوكسفام" و"أنقذوا الأطفال" في أواخر
شهر يونيو 2011.
نتيجة
لهذا الفشل في التخطيط والاستجابة لهذه الكارثة, فإن الصومال تكبدت, برغم
استحالة وجود تقارير دقيقة لعدد الذين لقوا حتفهم في هذه الأزمة, ما يقرب
من مقتل 100 ألف صومالي أكثر من نصفهم من الأطفال تحت سن الخامسة, بينما
قالت منظمة إغاثة أخرى استنادا لمصادر موثقة أن الأعداد قد تصل إلى 150 ألف
قتيل, وحسبما أفاد تقرير منظمتي "أوكسفام" و"أنقذوا الأطفال" فإن
الاستجابة المبكرة كان من شانها ان تقلل من معدلات سوء التغذية, وأن توفير
الأطعمة والمياه النظيفة والخدمات الصحية كان سيقلل عدد الوفيات".
ومن
الخداع أن تشير بعض المنظمات للإغاثة, ومن بينهم منظمتي "أوكسفام"
و"أنقذوا الأطفال" أنهم قد وصلوا لأكثر من 280 ألف طفل, برغم هذا التباطؤ
والتقصير في الاستجابة مع الأزمة, في حين أن هذه المنظمات كانت على ما
يبدو تعمل في الأماكن التي لا يوجد بها مجاعات أو أزمات مثل إقليم البانت
في الصومال, ثم ما معنى كلمة "وصلوا" والتي تعني أنهم في الواقع قدموا
التبرعات للمؤسسات الخيرية المحلية لتوزيعها ولم يقوموا بشيء.
وبالرغم
من هذا كله, فإن منظمتي "أوكسفام" و"أنقذوا الأطفال" تستحق الثناء
لتقييمها الواضح لأداء المنظمات في الصومال والشفافية, وقد قدمت توصياتها
لتفادي هذه الأخطاء من جديد ومنها سرعة ومرونة الاستجابة والتركيز على
إدارة الأزمات لتجنب وقوع المخاطر, والتاكيد على العمل أساسا لمنع وقوع
الكوارث بدلا من انتظارها حتى تقع, وعليه – حسب منظمتي "أوكسفام" و"أنقذوا
الأطفال"- "فإن هناك حاجة ملحة لوضع هذه التوصيات حيز التنفيذ, وأنه ينبغي
على المنظمات الدولية للمساعدات والغوث أن تبدأ في تنفيذ هذه التغيرات الآن
حتى يتسنى لنا ان نتعامل المرة القادمة سريعا ونحمي الضعفاء".
----------------
طالع..المصدر
تعليقات