عشرية "فيس بوك" وتغيير العالم!
ترجمة: حسن شعيب
عندما أطلق طالب بجامعة هارفارد, مارك زوكربرج, موقع فيس بوك كوسيلة للتواصل الاجتماعي في فبراير 2004، لم يكن هو نفسه يتخيل القوى التي سيمثلها, فقد كان هدفه في البداية هو ربط طلاب الكلية ببعض؛ وانتهى به الأمر إلى ربط العالم بعضه ببعض.
بالنسبة لأطفال هذا العصر, أصبح العالم شبكة اجتماعية عملاقة, كما أنهم ليسوا مقيَّدين بما يتم تعليمه إياهم على عكس الأجيال السابقة، خلال جيلنا, كانت المعرفة في الطفولة محلية, حيث كان المرء يتعلم كل ما يعرفه من والديه ومعلميه ووعاظه الدينيين وأصدقائه, أما المحظوظين فكانت لديهم إمكانية الذهاب إلى مكتبة أو الاطلاع على موسوعة وتعلم المزيد.
بيد أن المؤكد أنه لم يكن هناك من يستطيع متابعة الأشخاص الذين يُقرأ عنهم ويتواصل معهم، أو الاستماع لما لدى الناس عبر العالم ليقولونه في مواضيع مختلفة، أو طرح الأسئلة الصعبة والمزعجة, وبفضل المعلومات ذات الجودة العالية، التي أضحت في متناول أصابع أيديهم، أخذ أطفال اليوم يتجاوزون تخوفات آبائهم وتحيزاتهم, حتى استطاع الشباب في الشرق الأوسط بتفجير الثورات، وعبر الصينيون عن استيائهم من الأوضاع.
برغم أن الكبار شاركوا في هذه الثورة, أخذت الطبقة الوسطى في الهند المنصاعة عادة ترفع عقيرتها وتحتج على المعضلات الاجتماعية؛ وبدأ مديرو الشركات في «سليكون فالي»، يشعرون بالحرج، ويضيفون النساء إلى مجالس إداراتهم, وحشد الزعماء السياسيون، مثل الرئيس باراك أوباما، طاقات الملايين من أجل الانتخابات والقضايا السياسية؛ وكل ذلك من خلال تكنولوجيات وسائل التواصل الاجتماعي التي أطلقها فيس بوك ومنافسوه.
على غرار كل تكنولوجيا متطورة، تسببت وسائل التواصل الاجتماعي في العديد من المشاكل الجديدة, فهي مثلا تسبب الإدمان وتشكل وسيلة للتحرش بالأطفال, كما أن وسائل التواصل الاجتماعي تُستعمل من قبل المتطرفين في الشرق الأوسط وأماكن أخرى لأغراض التجنيد وغسل الأدمغة.
ثم إنها تعرِّضنا وأصدقاءنا للتجسس؛ فنحن قد نترك الأضواء في منازلنا مشعلة عندما نكون في إجازة، ولكننا من خلال وسائل التواصل الاجتماعي نخبر المجرمين الذين قد يريدون سرقتنا بمكاننا بالضبط، وبمتى نعتزم العودة إلى البيت، وبكيف يمكنهم أن يقوموا بابتزازنا.
بالإضافة إلى ذلك، لم تعد الحكومات في حاجة إلى المخبرين لأن وسائل التواصل الاجتماعي تسمح للوكالات الحكومية بالتجسس على مواطنيها, حيث نقوم بتدوين أفكارنا وخواطرنا ومشاعرنا وما نحبه وما لا نحبه على فيس بوك, كما نتقاسم آراءنا السياسية وتفضيلاتنا الاجتماعية ومخططاتنا وأحيانا صورا شخصية.
في الحقيقة بل أن فيس بوك أكثر من وكالة تجسس أو منظمة إجرامية والذين لا تستطيع أن تجمع معلومات وبيانات من النوع الذي نقوم نحن طواعية بنشره وإتاحته لهم؛ حيث نخبر الحكومات بأسماء أصدقائنا، وعناوين بريدهم الإلكتروني، وأرقام هواتفهم، ونعلِّق على صورهم. وبينما تزداد قوة وتطورا، ستصبح أجهزة الكمبيوتر قادرة على تحليل معلومات وسائل التواصل الاجتماعي الخاصة بنا وربطها بما يقوله أصدقاؤنا ومعارفنا عنا.
وفي عودة إلى الجوانب الإيجابية، هناك تغيرات كبيرة تطرأ في مجالات مثل الرعاية الصحية بفضل وسائل التواصل الاجتماعي, فمن خلال تحليل عمليات البحث في جوجل، يستطيع الباحثون تعقب انتشار مرض عبر العالم, كما يستطيع المرضى التحدث مع آخرين عانوا من المرض نفسه ومعرفة أي العلاجات أو الطرق كانت ناجحة بالنسبة لآخرين وأيها لم تكن ناجحة, حتى استطاع الناس عبور العالم لتقديم النصح والدعم المعنوي لبعضهم.
ليس ثمة شك أن قوة وسائل التواصل الاجتماعي جعلت الحكومة الصينية تتعامل مع فظاعات المسئولين المحليين وتجاوزاتهم. وفي نيودلهي، شهدنا ثورة سياسية تحدث عندما خرج حزب مناهض للفساد فجأة ليصل إلى السلطة في انتخابات الولايات, كما أصبحت الفضائح السياسية في الولايات المتحدة أكثر شيوعاً لأن الناس أخذوا يحتجون بشكل فوري.
لقد أضحى وسائل التواصل الاجتماعي قوة أكبر للديمقراطية, مما ساهم في تقوية الجماهير وتمكينها, حيث ستعمل نحو مليارا شخص من أصل سكان العالم الـ7 مليارات الإنترنت حتى الآن, وخلال هذا العقد، سيصبح بإمكان 3 مليارات آخرين الاتصال بالعالم من خلال الحواسيب اللوحية الرخيصة؛ حيث ستصبح أجهزة ذات قدرات مماثلة لأجهزة آي باد متاحة بسعر أقل من 50 دولاراً، هذا علما بأنه توجد منذ الآن حواسيب لوحية بشاشات 7 بوصات في الأسواق بسعر يناهز 40 دولاراً في الصين والهند.
بغض النظر عن وسيلة التواصل الاجتماعي التي يستعملها الناس وما إن كنا نحتفل بعيد ميلاد «فيس بوك العاشر، فإنه من المؤكد أننا نعيش فترة تغير سريع, كما أن العقد المقبل سيكون أكثر إذهالا واستعصاء على التنبؤ من العقد الماضي, حيث لم يستطع أحد التنبؤ بما سيحدث مع وسائل التواصل الاجتماعي خلال العقد الماضي، فلا أحد يستطيع أن يتنبأ على نحو دقيق بإلى أين ستأخذنا هذه التكنولوجيا؛ غير أنني متفائل وأعتقد أن إنسانية مترابطة ومتواصلة ستجد طريقاً للنهوض بنفسها.
طالع .. المصدر
تعليقات