هل تفلت إسرائيلُ من العقاب؟!
ترجمة: حسن شعيب
لقد صار من الضروريّ أن يدرس الغرب في الوقت الراهن إمكانية فرض عقوبات ثقافية واقتصادية على إسرائيل.
لقد
أثارت زيارتي لقطاع غزة للمرة الثالثة في غضون خمس سنوات مشاعر الشفقة
والكآبة والغضب والإحساس بالذنب من يأس وقلة حيلة الفلسطينيين، فهم يعيشون
في محنةٍ لا حول لهم بها ولا قوة، وما يدعو إلى السخرية أن إسرائيل,
الجاني, ما زالت تتمتع بالحصانة وتنعم بالإفلات من العقاب.
لقد
كنت أحد أفراد أعضاء الوفد البرلماني الأوروبي، والذي سُمح له بالتواصل مع
السلطة السياسية في مصر وعقد اجتماعاتٍ مع وزير خارجيتها ورئيس البرلمان
إلى جانب الاجتماع برئيس جامعة الدول العربية, وفي غزة قمنا بمقابلة رئيس
الوزراء وأعضاء حكومتِه وبعض المنظمات غير الحكومية ورئيس بعثة الأمم
المتحدة (الأونروا) هناك.
وقد
لاحظتُ أن العلاقات بين إسرائيل وفلسطين ومصر معقدةٌ ومتشابكة بشكل غريب,
فدائمًا ما يوجد بينهم إصابات وإخفاقات من جميع الأطراف إلى جانب وجود
مخاوف متبادلة, فالرئاسة المصرية تخفي وتضمر قلقَها العميق ومخاوف كبيرة من
عدوى الشارع المصري بشعبية وعقيدة "حماس" القائمة على أساس الدين، وبينما
يشعر اليهود بانعدام الأمن، وهذا ما يُعزِّزه تراث التاريخ اليهودي، يعيش
فلسطينيو غزة في فزع اجتياح وعدوان ثانٍ يحلُّ بهم.
وقبل
عامٍ مضى، أزهق العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة أرواح حوالي 1400
فلسطيني (مقابل مقتل 13 إسرائيلي) بالإضافة إلى إصابة آلاف الجرحى في غزة،
وكما رأينا فقد انهارت البنية التحتية تمامًا (التي هي ضعيفة أصلًا) وطُمست
ومحيت معالم معظم المصانع وكثير من المدارس والمباني العامة وآلاف
المنازل.
وعقب
انتهاء العدوان الإسرائيلي خصَّصت الأمم المتحدة صندوقًا بقيمة 4 ونصف
مليار دولار لإعادة إعمار غزة, ولكن لم يتم إنفاق دولار واحد إلى الآن بسبب
ما تفرضُه إسرائيل من الحصار العقابي على برّ غزة وسمائها وجوها, وكان
السبيل الوحيد لبقاء غزة وشعبها علي قيد الحياة هو عن طريق الأنفاق تحت
الحدود المصرية، والتي يتم إغلاقها الآن بواسطة السلطات المصرية، لذلك فإن
المحرك الأكبر والرئيسي للإرهاب في الغرب والعالم هو الإساءات والمعاناة
التي يتعرض لها الفلسطينيون، حيث أنها القضية المركزية للمسلمين في العالم.
ونتيجةً
لذلك صارت غزة أشبه بغيتو (حي للأقليات) يعيش فيه واحد ونصف المليون شخص -
نصفهم لا يتجاوز عمره 18 عامًا و 80 بالمائة منهم عاطلون عن العمل.
ولكن
ما يغيظني أنا وكثير آخرون ناقمون على إسرائيل هو تبريرها لتصرفاتِها
وسلوكها المشين في فلسطين ولا سيما مزاعمها الأمنية, فما تفعله إسرائيل في
الضفة الغربية والقدس الشرقية هو استعمار لا هوادةَ فيه؛ حيث وصل عدد
المستوطنين في الوقت الحالي إلى أكثر من نصف مليون شخص، وباستثناء الاعتداء
الغاشم على غزة والحصار المفروض عليها, ربما لا يوجد شيء استفزازي أكثر من
السيطرة الباطشة للاحتلال الإسرائيلي بما في ذلك مئات النقاط وحواجز
التفتيش المذلة والتخريبية ونظام المرور الذي فاق النظام الجنوب إفريقي
العنصري القديم.
وماذا
عن القانون؟ فقد خرقت إسرائيل بأفعالها المتعجرفة القانون الدولي وميثاق
الأمم المتحدة والاتفاقيات والقرارات، ورغم ذلك تظلُّ محميةً من العقاب
الذي يتبع هذا الخرق، لقد صارت إسرائيل في الوقت الراهن "دولةً مارقةً"
أكثر منها "شريكًا استراتيجيًّا" كما وصفها ديفيد ميليباند رئيس وزراء
بريطانيا مؤخرًا.
فإسرائيل
تفعل ما تريد وما يحلو لها، وآخر مثالٍ على ذلك رفضها المذِلُّ لإصرار
الرئيس أوباما على وقف الاحتلال وتجميد المستوطنات، وفي المقابل لا يُسمَع
للصوت الفلسطيني الضعيف.
هذا
التاريخ، الذي يمنع الكثير من اليهود الليبراليين في الغرب من التحدث
علنًا عن فلسطين، يشبه بالتأكيد الصمت العام من جانب الكثير من النقَّاد
غير اليهود خشية وصمهم بمعاداة السامية، لذلك فإن إسرائيل لم يثنيها عما
فعلته الولايات المتحدة أو الاتحاد الأوروبي، مخدوعة وواهمة بمبدئها
المكيافيلي في الاعتقاد بأن أساليب "فَرِّقْ تَسُدْ" والتشويش والمماطلة
سوف يمكِّنُها إلى الأبد من عرقلة تحقيق العدالة للفلسطينيين، كما أن
تحديها المستمر للأمم المتحدة يُقوِّض شرعيتَها.
لقد
عدت من غزة، كالعادة، ولديَّ قناعة أكثر من أي وقت مضى أننا علينا أن نوقف
إسرائيل عما تفعله، بل وننقذها من شرِّ نفسها، ينبغي على الغرب الآن أن
يسعى إلى فرض عقوبات اقتصادية وثقافية على إسرائيل, لأنه لن يجدي أي شيء
آخر نفعًا, وقد يكون الوقت قصيرًا، بالفعل سيكون هناك ضجيجٌ وجلبة بسبب هذه
العقوبات، ولكن على من أخطأ أن يتحمل عواقب آثامِه؛ لأن بقاء الوضع كما
كان في السابق سيكون خطيئةً لا تُغتَفَر.
---------------
طالع..المصدر
تعليقات