نووي إيران والتنازلات السرية!
ترجمة: حسن شعيب
يبدو أن سرية المحادثات بشأن البرنامج النووي الإيراني في جنيف كان مادة خصبة لإثارة الشكوك والريبة وبالطبع الانتقادات, حيث شن المتشددون في إيران هجوما عنيفا على فريق التفاوض الإيراني، زاعمين أن رضا الولايات المتحدة عن نتيجة المحادثات في جنيف، يُنبئ بأن إيران قدمت الكثير جدا من التنازلات.
بعد يومين من المحادثات بين إيران والقوى الدولية بشأن كبح البرنامج النووي الإيراني، قال مسئول أمريكي بارز "إن الفريق التفاوضي الأمريكي، لم يشهد قط مثل هذه المحادثات المكثفة والمفصلة والمستقيمة والصادقة في عام ونصف العام من الجهود غير المثمرة", كما وصف وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف المحادثات بــ "أنها خطوة إيجابية للغاية".
أما الصحفيين والسياسيين المتشددين في إيران، فقد سلطوا الضوء على التعليقات التي تشير إلى تحقيق تقدم مستنتجين أن ظريف وفريقه يُعدون بالضرورة سراً صفقة ليست جيدة لإيران, كما يرى كثير من المتشددين أن الرئيس الجديد حسن روحاني يقدم تنازلات كثيرة من أجل التوصل إلى اتفاق نووي وتخفيف العقوبات.
وفي هذا الصدد قال حسين شريعتمداري, رئيس تحرير صحيفة كيهان, (الناطقة بلسان المرشد الأعلى) في تحليل بعنوان "لماذا العدو راضٍ"؟ مشيرا إلى "أن سعادة الدول الست غير المسبوقة تُبين أننا لم نحصل على أي تنازلات في مقابل التنازلات التي قدمناها أو وعدنا بتقديمها".
كما أضاف شريعتمداري "أن السرية تثير شكوك الرأي العام بأن فريق إيران، ربما قدم تنازلات غير ملائمة", ورغم العلاقة الرسمية لصحيفة كيهان ورئيس تحريرها بخامنئي فقد تقلص تأثيرها كثيراً منذ الهزيمة المدوية للمرشحين المحافظين في انتخابات الرئاسة الإيرانية الأخيرة.
في هذا الصدد, تعددت التقارير الصحفية الأمريكية والإسرائيلية التي تستند إلى مصادر إيرانية مجهولة أو مسئولين غربيين أو أمريكيين قدموا إفادة لإسرائيل بشأن محادثات جنيف ويعتقد أنها على دارية بتفاصيل مقترح ظريف, حيث تحتوي هذه التقارير على نقاط يُتوقع أن يتضمنها أي اتفاق نهائي، ومنها أن تتوقف إيران عن تخصيب اليورانيوم بنسبة 20 بالمائة، وهي النسبة التي تقترب كثيراً من إمكانية استخدامها في إنتاج قنبلة نووية وتقييد عمليات التخصيب بمستويات أدنى وعمليات تفتيش أكثر تطفلاً بكثير.
وفي مقابلة مع موقع صحيفة "كريستيان ساينس مونيتور", قال ظريف "هذه تكهنات لا تمت للواقع بصلة, وأن رفضنا كشف تفاصيل المقترح هو علامة على إخلاصنا وجديتنا", كما كتب على الفيس بوك "أنا وزملائي مستعدون لتحمل ضغط وسائل الإعلام لكنه أضاف قائلاً إن إبقاء المحادثات سراً لا يعني خوفنا من كشف محتواها".
بيد أن إدارة أوباما لديها ما يُعكر صفوها، حيث يصر عدد من أعضاء الكونجرس الأمريكي على فرض عقوبات أخرى على إيران مما قد يفسد المحادثات, كما تطالب إسرائيل ألا يقتصر الأمر على تقييد عمل إيران النووي، بل بتفكك برنامجها النووي كلية.
ومثل هذه الغيوم حلقت في سماء إيران, بسبب صحيفة "كيهان", حيث حرفت الصحيفة مقتبساً عن ظريف قاله في اجتماع مغلق مع مشرعين إيرانيين مفاده "إن المكالمة الهاتفية التاريخية بين روحاني وأوباما في سبتمبر الماضي كانت خطأ, وبعد أن رأى ظريف عنوان صحيفة كيهان، قال "إن كل البيانات الرسمية سوف تعلن لأن سوق الانتهاك منتشر للغاية".
يشار أن خامنئي طلب من كل الفرقاء الإيرانيين أن يدعموا حكومة روحاني الناشئة، حيث قال "إن المرونة البطولية قد تكون ضرورية", لكنه بعد المكالمة الهاتفية بين أوباما وروحاني، قال "إن بعض الأعمال التي تمت في نيويورك لم تكن ملائمة دون أن يحدد شيئاً بعينه", وجاء التعليق كرد جزئي من خامنئي المنزعج من تأكيد أوباما على أن كل الخيارات مطروحة على الطاولة بما فيها الخيار العسكري أثناء وقوفه بجانب رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو, مما فتح الباب أمام متشددي إيران ليصعدوا هجماتهم.
كما يعارض المتشددون الإيرانيين ما يدعونه جماعة نيويورك من المسئولين الإيرانيين المقربين من ظريف الذي أمضى سنوات سفيراً لبلاده في الأمم المتحدة في نيويورك وتلقى تعليمًا أمريكيًا, معتقدين أنهم مقربون للغاية من الولايات المتحدة، ويريدون تطبيع العلاقات بعد 35 عاما تقريبا من العداوة المتبادلة.
في ذات السياق, نقل عن صحيفة أسبوعية متشددة قولها "إن هذه العصابة معروفة جيدًا في وزارة الخارجية، وهي مسئولة عن إجراءات أضرت كثيراً بالبلاد, كما تحدث موقع آخر عن سجل واضح لا يمكن إنكاره لأنشطة جماعة نيويورك في الإضرار بالمصالح الوطنية.
لكن هناك الكثير من المصادر الصحفية الإيرانية تختلف مع وجهة النظر المتشددة, حيث وبخ أحد المواقع الإخبارية صحيفة كيهان لأنها لم تسرد القصة كاملة, مضيفا أن الدول الست أشادت بصدق نية إيران غير المسبوق، هناك أيضاً الاعتراف بأن العرض الإيراني الجديد بعيد جداً عما يرغبه الغرب، وبالتالي ليس هناك سبب لاتهام الدبلوماسيين الإيرانيين بأنهم خونة.
كما شنت صحيفة بهار الإصلاحية الإيرانية هجوما شرسا على صحيفة كيهان، فذكّرت بواقع الحياة السياسية الإيرانية، فخامنئي صاحب القول الفصل في كل الأمور وأن المفاوضات التي أجراها متشددون في الماضي تم جميعها في سرية ولم تلق إلا القليل من التذمر.
كما أكدت بهار متسائلة هل يستطيع الفريق الجديد التوصل لاتفاق وينفذه دون تصريح من المرشد الأعلى أو مجلس الأمن القومي؟ خاصة أن الجميع يعرف أن أدق التفاصيل في هذه القضية يتطلب موافقة المرشد.
طالع ... المصدر
تعليقات