مسلمو بريطانيا في تزايُد رغم الصِّعاب


ترجمة: حسن شعيب
مع استمرار الجدل الدائر في الحكومة البريطانية حول كيفية كسب قلوب وعقول المسلمين، وزعْمِ أنَّ المسلمين يعانون من مشاكل الاندماج داخل المجتمع, تشير الحقائق في المملكة المتحدة إلى واقع مختلف تمامًا؛ فحسب التقديرات الأخيرة يُسهم المسلمون في الاقتصاد البريطاني بما يزيد على 31 مليار جنيه استرليني، وهناك أكثر من 10،000 مليونير مسلم في البلاد.
ومن المفارقات المثيرة للاهتمام تأكيدُ أنَّ الإسلام هو الدين الأسرع نموًّا في المملكة المتحدة؛ حيث يصل عدد المسلمين الآن إلى أكثر من 2 مليون شخص، وذلك بالرغم من استمرار وسائل الإعلام في إساءة فهم وتقديم الإسلام.
واستنادًا إلى نتائج التَّعْدَاد السكاني لعام 2001, فقد بلغ حجم الجالية الإسلامية في بريطانيا 1.6 مليون شخص. وحسب تقديرات "وايت هال" الأخيرة كُشِف أنَّ الإسلام ثاني أكبر ديانة في بريطانيا بعد الديانة النصرانية. وتشير الزيادة في حجم الجالية المسلمة إلى مكانتها الدينية الأسرع نموًّا في بريطانيا, كما أنها الجالية الأكثر شبابًا، ومن ثم عطاءً، إذْ تَقِلُّ أعمار ثلث الجالية المسلمة عن 16 عامًا حسب تَعداد عام 2001.
جذورٌ تاريخيَّة
ويعود تواجد المسلمين في بريطانيا لمدة لا تقل عن 300 سنة؛ حيث قامت شركة شرق الهند بتوظيف بحارة من اسام وغوجارات والبنغال واليمن، وإنشاء عدد من المستوطنات في المدن الساحلية وكثير من المدن في أنحاء البلاد. وتم إنشاء أحد أقدم المساجد في "ويكونج" في ساري عام 1889 بتمويل من السلطان شاهجاهان بيغوم، حاكم بوبال في الهند.
وسرعان ما أصبح المسجد مركزًا للمسلمين في بريطانيا، وساهم عدد من الشخصيات البارزة ذوي المكانة، في شعبيَّة المسجد وشُهرته، ومن بين هؤلاء: اللورد فاروق هيدلي، مؤلف كتاب "معاني القرآن الكريم"، والسيدة إيفلين زينب كوبلد، وهي واحدة من أولى السيدات التي ذهبت إلى مكة للحج في عام 1934.
والسكان المسلمون في بريطانيا بعد الخمسينات والستينات والسبعينات يتكونون في الأساس من المهاجرين من شبه القارة الهندية. وخلال الربع الأول من القرن العشرين أشارت التقديرات إلى أنَّ هناك حوالي 10،000 مسلم في بريطانيا، أما الآن فهناك نحو مليوني مسلم (4% من السكان)، وأكثر من نصفهم وُلدوا في بريطانيا.
حقيقة ديمغرافية
واللافت للنظر أن الظاهرة العُمُرِيَّة للمسلمين في بريطانيا تختلف عن غالبية السكان؛ حيث نجد ارتفاع نسبة اللذين تقل أعمارهم عن 25 عامًا، والنسبة الأقل تمثِّل الذين تقل أعمارهم عن الستين عامًا. ونظرًا لهذه الحقائق الديموغرافية، فمن المقرر أن تتزايد الجالية الإسلامية على مدار العشرين عامًا القادمة. والأكثر من ذلك حقيقةً أنَّ السكان المسلمين في الاتحاد الأوربي من المقرر أن يتضاعفوا بحلول عام 2015 من 15 مليون في عام 2003.
و على مدى عقودٍ كثيرة يبرهن وجود المسلمين في بريطانيا على أنه لا يوجد أي تناقض بين أن تكون مسلمًا وتعيش في الغرب، حيث المساهمة الفعالة في جوانب كثيرة من المجتمع البريطاني، فيما يتضمن منها الصناعات التحويلية وصناعة النسيج إلى قيادة الحافلات والقطارات، والعمل في الخدمة المنزلية, وحتى العمل كممرضات وأطباء في المستشفيات البريطانية، وبالطبع إدارة المحلات التجارية التي تفتح سبعة أيام أسبوعيًا خلال أربع وعشرين ساعة.
وخلال زيارتها الأخيرة لباكستان سلطت جاكي سميث، وزيرة الداخلية البريطانية السابقة، الضوء أيضًا على المساهمات القيمة التي يقوم بها مليونَا مسلم بريطاني في كل مناحي الحياة؛ حيث أكدت "أنَّ المسلمين يقومون بدورٍٍ هام وفعال في المجتمع البريطاني، في الحياة السياسية من البرلمان وحتى الحكومات المحلية، في القوات المسلحة والشرطة، ومختلف الوظائف والفنون والرياضة، وبطبيعة الحال في التجارة".
وأشارت أيضًا إلى أنَّ هناك وزيرين مسلمين في الحكومة و220 مسلمًا عضو في مجالس البلدية، وعددًا متزايدًا من النواب. وكشف استطلاع أُجري العام الماضي في الجارديان أن 91% من البريطانيين المسلمين مخلصين لبريطانيا وأن 80 % منهم يريدون العيش والتكيُّف مع المجتمع الغربي. ورغم تعرُّض المسلمين البريطانيين لضغوط متزايدة بعد هجمات مترو أنفاق لندن في 7/7, إلا أنَّ قدرتهم على التأقلُم وتحمُّل الصدمات لم تتلاشَ؛ بل واصلوا التركيز على النواحي الإيجابية.
حضورٌ متميِّز
في عام 2007، قرر البنك الإسلامي في بريطانيا بالاشتراك مع شركة كارتر اندرسون للعلاقات العامة، مواجهة هذه الظواهر السلبية؛ من خلال تسليط الضوء على النجاحات في المجتمع. قاموا يتنظيم "منتدى 100شخصية إسلامية قوية". الحدث البارز الذي عُقد في فندق هيلتون, حديقة لين، والتي تضم كوكبة من كبار الشخصيات الإسلامية الذين عُرفوا بإسهاماتهم الاجتماعية والثقافية والتعليمية والاقتصادية والعمل على رفاهية بريطانيا.
واشتملت القائمة على مجموعة من مختلفي الأشخاص اللذين يشاركون في جميع مناحي الحياة، من اللوردات والمحاميين, من المؤلفين إلى رموز الرياضة, من الجامعيين الأكاديمين البارزين إلى عمالقة الصناعة. وتم منح تسعة من الحضور الامتياز، ومنهم هاني البنا، مؤسس منظمة الإغاثة الإسلامية.
وقال سلطان تشودري، المتحدث باسم البنك الإسلامي البريطاني، إنَّ هذا الحدث يُعدُّ تتويجًا لتسعة أشهر من التحضير والمشاركة في التصويت. وأضاف: "أردنا تسليط الضوء على المساهمات الإيجابية للمسلمين في المجتمع البريطاني، وهي على النقيض تمامًا مع ما تقوم به وسائل الإعلام التي تربط المسلمين بالإرهاب بطريقة أو بأخرى، على أنهم غير مؤهلين علميًا، أو فصلوا أنفسهم عن المجتمع. والعكس هو الصحيح؛ حيث إننا نتكامل مع المجتمع،  ونساهم في طائفة واسعة من المجالات".

--------------------
طالع.. المصدر

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

النوبة .. ملاذُ السكينة على ضفاف النيل

اليمين النمساوي يطالب بحظر الرموز الإسلامية وسياسيون أيرلنديون يحثون على استيعاب المسلمين.. الأقليات المسلمة في أسبوع

اكبر حديقة ازهار في العالم.. 45 مليون زهرة وسط الصحراء