دوبروفنيك .. فينيسيا البلقان ودُرة الأدرياتيكي!
ترجمة واعداد: حسن شعيب
ليس ثِّمة شك أن الحروب تُدمر في
أيام وشهور ما بناه الإنسان في سنين وقرون بل وتشوه الجمال وتطمس المعالم الهامة
لكثير من الروائع وربما تجعلك تبعض العيش في هذا الموقع من جديد, ومن بين هذه
المدن التي كانت ضحية لتلك الحروب مدينة دوبروفنيك والتي استطاعت بناء نفسها من
جديد رغم المعارك التي غيبها عن أن تكون أهم المعالم السياحية برغم من موقعها
الفريد على البحر والذي يبهرك جمالها لدى قدومك إليها لقضاء عطلة من أفضل الأجازات
التي لا تنسى.
تقع مدينة دوبروفنيك, التي كانت تُعرف
سابقا بالإيطالية باسم راغوزا, الكرواتية على الساحل الأدرياتيكي, وهي تُعد أحد الوجهات
السياحية الأكثر بروزا على البحر الأدرياتيكي ناهيك عن كونها ميناء بحري ومركز
للطبيعة الخلابة, وقد ضمتها اليونسكو إلى قائمتها لمواقع التراث العالمي عام 1979,
لمحافظتها على تحفها الجميلة وكنائسها وأديرتها وقصورها وينابيعها ذات الطراز
القوطي والنهضوي والباروكي, ومزارا سياحيا جاذبا بما تتمتع به من تشكيلة فاخرة من
الفنادق الفخمة وتكلفتها المنخفضة.
جديرٌ بالإشارة أن مدينة دوبروفنيك وصل بها الحال أن نافست مدينة "البندقية"
الإيطالية في جمالها والسلطة وثروتها, حيث وصلت إلى أوج ازدهارها خلال
القرن الخامس عشر, حيث جذبت خلال هذه الفترة أفضل النحاتين والمعماريين لتزين وسط
المدينة في أسلوب عصر النهضة, بيد أن عصرها الذهبي تبدد مع زلزال 1667 الذي ضرب
المدينة ولكن المدينة لملمت جراحها وضمدتها وعادت من جديد مدينة ساحرة, لكن قوتها
البحرية قد انخفضت تدريجيا.
مع بداية القرن العشرين, هبت
دوبرفنيك من كبوتها, حيث تدفق عليها السياح والزائرين الذين توافدوا إلى المدينة
لكي يسلط الضوء على الدرر السياحية في المدينة,
إلا أن
دوبرفنيك تعرضت لقصف عام 1991, مما جذب انتباه
العالم بأسره, والذي ساعد في إصلاح الأضرار قبل نهاية العقد ثم عادت دوبرفنيك من
جديد في الوقت الراهن لتبهر العالم لما تكتنزه من سحر فريد من نوعه في جوانبها.
على الرغم أن عدد سكان دوبروفنيك
لا يزيد على 43 ألف نسمة, فإن على قدر من التفاني في الثقافة التي تظهر جلية في
أوركسترا السيمفونية الخاصة بها, والحصاد الوفير من السيمفونيات الكلاسيكية التي تعزف
على مسرح مارين دريزيتش, بالإضافة إلى مجموعة كبيرة من المعارض الفنية التي تقدم الأعمال المعاصرة,
والاعتزاز بالتقاليد المحلية التي تبدو واضحة بقوة في المهرجانات
المحلية العادية والاحتفالات الدينية.
تُعرف دوبروفنيك
بأنها "لؤلؤة البحر الأدرياتيكي" بسبب تراثها المعماري الذي لا يضاهى, فشوارعها
التي تتكون من الرخام اللامع يصطف فيها المباني الباروك التي يتخللها نوافير جميلة
منحوتة من عصر النهضة, أما جدرانها هي
الأكثر سلامة ومثيرة للإعجاب على مستوى البحر الأدرياتيكي, وحدث ولا حرج
عن القائمة الطويلة من المشاهد الرائعة في من
دوبروفنيك, لذلك لم يكن من العجب أن تضمها اليونسكو إلى مواقع التراث العالمي.
برغم أن دوبروفنيك
مدينة قديمة تضم تراث تاريخي قديم رائع, فإنها كذلك أول منتجع في البحر
الأدرياتيكي, والذي تمتد من المركز التاريخي لشبكة من الشواطئ التي تستريح فيها بعيدا
في الشمس, وبالقرب من الشواطئ, تتبعثر
في البحر البلوري الواضح تماما
جزر مشجرة التي تبسط الرحلات اليومية, حيث تصل إلى مجموعة من الحانات والمقاهي
والنوادي داخل وحول المدينة القديمة مما يضمن ألا تشعر بالملل ليلا أبدا في دوبروفنيك.
ونظرا
لما يتوافر لدى دوبروفنيك من تراث ومناظر طبيعية, أصبحت محطة رئيسية حيوية لرحلات
البحر الأبيض المتوسط والتي تستقطب ربع مليون مسافر سنويا, حتى يطن البعض أن
المدينة قد تغرق في البحر لو قدم هؤلاء في آن واحد, لكن موسم الرحلات البحرية يمتد
من مارس إلى ديسمبر, حيث يتدفق يوميا من 100 إلى 8000 زائر.
لا يعتبر السياح زيارة دوبروفنيك كمحطة سياحية فحسب,
ولكن بوصفها خيار سياحي متكامل, فمناخها معتدل بسبب موقعها الاستراتيجي من الطرف
الجنوبي من الشاطئ الكرواتي, وفيها تنتشر كذلك المساحات الخضراء كما تملأ الغابات المكسوة بأشجار السنديان جنباتها,
ويعود سحر المدينة لأكثر من 1300 عام مضت, فمع بزوغ الفجر يظهر جمال المدينة
الآخاذ حيث تبدأ أشعة الشمس بالتسلل من فوق الافق وببطء شديد نحو قلعة «سان
جان» ثم المرفأ القديم إلى أن تصل برج الجرس وسط المدينة.
ما أروع السير على الأقدام في دوبروفنيك عند الظهيرة وأبدع ما
يكون وعلى وجه التحديد داخل الأحياء القديمة, والأزقة الضيقة المرصوفة
بالحجارة, انتهاء بالميناء
ثم الشواطئ المحيطة, كما يمكنك زيارة قصر سبونزا, واحد من أجمل قصور أوروبا التي
تعود للحقبة الوسطى ويبدو فيها جليا الفن القوطي.
من المؤكد أن دوبروفنيك تستحق الزيارة, فهي مدينة دوما ما كانت مطمعا
للأعداء برغم أن سكانها لا يحبون الحلول العسكرية ويفضلون الدبلوماسية, ولكن ومع
كثرة الغزو عليها من أعدائها لم يجد بنوها إلا تحصينها بالجدران التي تربو
ارتفاعها على 25 مترا, وهذا ما سيظهر للزائر لها, حتى لا تصبح المدينة لقمة سائغة
وتنعم للعيش في رغد وسلام.
طالع... المصدر
تعليقات