فضيحة التجسس الأمريكي على أوروبا


ترجمة: حسن شعيب
انطلاقا من الأحاديث والأقوال التي تروج, يبدو أن العلاقات عبر الأطلسي تنخفض إلى أدنى مستوياتها في أعقاب أنباء حول مزاعم التجسس التي تقوم بها الولايات المتحدة ضد حلفائها الأوروبيين.
من جانبه, دعا الرئيس الفرنسي، فرانسو هولاند، إلى تعليق مباحثات اتفاقية التجارة الحرة مع أمريكا التي يتوقع أن تنطلق في القريب العاجل، فلا عن غضب باقي المسئولين الأوروبيين من مختلف ألوان الطيف السياسي على مزاعم التجسس، حيث وصفوا الولايات المتحدة بـالأخ الأكبر، معتبرين برنامج التجسس الذي كشفه إدوارد سنودن، المتعاقد السابق مع وكالة الأمن القومي، بأنه من مخلفات الحرب الباردة.
وبرغم الانتقادات والاستهجان الكبير من المسئولين, فقد وافقت أوروبا على المضي قدما في مباحثات بشأن التوقيع على اتفاقية للتجارة الحرة والشراكة الاستثمارية بين الطرفين, ومع أن المسؤولين الأوروبيين طالبوا نظراءهم الأمريكيين بمعالجة المخاوف الناشئة عن احتمالات التجسس وحماية خصوصية الأفراد، إلا أن القليل من المراقبين يتوقعون توقف الشراكة بين الجانبين، لا سيما بعدما اعترفت العديد من البلدان الأوروبية التي وجدت نفسها هدفا للتجسس الأمريكي بعد تسريبات سنودن أنها تقوم نفسها بعمليات الاستطلاع والمراقبة مع بروز فرنسا كأهم دولة تقوم بذلك.
في هذا السياق, يقول إيريك دينيسي، مدير مركز الدراسات الاستخباراتية الفرنسي والمحلل السابق, "لا يُتوقع أن تلحق تسريبات التجسس الأمريكي ضررا  كبيرا بالعلاقات السياسية عبر الأطلسي، رغم أنه يميز بين التجسس بين الحكومات، وبين ما كشفه سنودن من استهداف للمواطنين الأمريكيين سواء في الداخل، أو الخارج.
كما أضاف دينيسي قائلا "على مدى الأربعين، أو الخمسين سنة الماضية نعرف جيدا أن الاستخبارات الأمريكية تتنصت على الجميع، بما في ذلك فرنسا، وهو أمر عادي لأن وظيفة أجهزة الاستخبارات في العالم التنصت على بعضها البعض، لكن مع ذلك كان المسئولون الفرنسيون الأكثر غضباً بين نظرائهم الأوروبيين فيما يتعلق بأنباء التجسس الأمريكية، بل دعوا الأوروبيين إلى وقف مباحثات التجارة الحرة مع الأمريكيين".
بيد أن حدة هذه الانتقادات تراجعت عندما بدا أن فرنسا نفسها متورطة في التجسس لتنطلق الأسئلة في الداخل الفرنسي حول مدى شرعية برامج التجسس, حيث نشرت صحيفة لوموند تقريراً يفيد بوجود برنامج فرنسي للتجسس في الداخل يشبه برنامج بريسم الأمريكي، مشيرة إلى "أن البرنامج يعمل خارج نطاق القانون ولا يخضع لأية مراقبة".
جدير بالذكر أن الاتحاد الأوروبي انضم إلى المنتقدين للتجسس الأمريكي، لكنه رفض تعليق المباحثات التجارية مع أمريكا، بل عبر الاتحاد الأوروبي عن انشغاله من وجود برامج تجسس تديرها دول أعضاء في الاتحاد مثل بريطانيا والسويد وهولندا وألمانيا وبولندا، ودعا الدول الأوروبية إلى ضمان انسجام تلك البرامج مع القانون وعدم خروجها عنه.
وفي غضون ذلك تمر العلاقات الأمريكية الألمانية اليوم بحالة من التوتر بسبب الكشف عن تجسس الولايات المتحدة على ألمانيا أكثر من أي بلد آخر، ويشعر الألمان خاصة بالقلق من برامج التجسس بالنظر إلى تجربتهم تحت النظام النازي وخلال الحكم الشيوعي في ألمانيا الشرقية.
من جانب آخر, ستعقد أنجيلا ميركل لقاء رفيع المستوى مع أوباما لمناقشة التصرفات الأمريكية، لكن الضرر الأكبر لما كشف عنه سنودن من تجسس واسع للأمريكيين على نظرائهم الأوروبيين يكمن كما قال سيرجي لاجودينسكي، الخبير في العلاقات الأمريكية الأوروبية، "في العلاقة بين الشعوب على ضفتي الأطلسي، قائلا الضرر ليس بين الحكومات ولكن بين الشعوب".
كما أوضحت التسريبات الأخيرة للمجتمعات الأوروبية أنه رغم الحديث عن التحالف والشراكة بين أوروبا وأمريكا، فإنها تبقى مجرد خطاب أجوف تنعدم معه الثقة، وهذا ما يتجلى في نتائج استطلاع للرأي أجري مؤخرا يُشير إلى أنه في أعقاب تسريبات سنودن 49 بالمائة من الألمان يقولون إنهم يستطيعون الوثوق بالأمريكيين كشركاء مقابل 65 بالمائة كانت في السابق.
بينما يرى أحد الخبراء الفرنسيون "أن مزاعم التجسس الأمريكي ستتلاشى مع مرور الوقت ولن تحظـى باهتمام واسع، إلا أنه يحذر في الوقت نفسه من تراجع الديمقراطية في أمريكا بسبب قانون الإرهاب الذي تندرج تحته عمليات التجسس الحالية".
كما أضاف قائلا "لقد اكتشفنا أن من تم التجسس عليهم ليسوا مواطنين أجانب، بل أمريكيين يفترض أن يحميهم القانون الأمريكي، وهو ما يثير العديد من علامات الاستفهام حول عافية الديمقراطية في أمريكا والعالم".
لكن الانتقادات الأوروبية، وخاصة الفرنسية، لبرنامج التجسس الأمريكي، قوبلت ببعض الاستهزاء لا سيما في الصحافة البريطانية، حيث كتب شاشانـك جوشي في صحيفة التلجراف البريطانية "أن تهديد فرنسا بتعليق مباحثات تجارة حرة مع أمريكـا ينطوي على مفارقة بالنظر إلى كون فرنسا نفسها معروفة بتجسسها على التكنولوجيا العسكرية الأمريكية وسرقة الأسرار الحربية، كما أنها تشكل صداع رأس حقيقيا لأجهزة مكافحة التجسس الأمريكية".
---------------------
طالع ..المصدر

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

النوبة .. ملاذُ السكينة على ضفاف النيل

اليمين النمساوي يطالب بحظر الرموز الإسلامية وسياسيون أيرلنديون يحثون على استيعاب المسلمين.. الأقليات المسلمة في أسبوع

اكبر حديقة ازهار في العالم.. 45 مليون زهرة وسط الصحراء