استراليا .. انقلاب تكتيكي!


ترجمة: حسن شعيب

في عودة إلى المسرح السياسي برواية شكسبيرية، تَمَّ استبدال جوليا جيلارد, أول رئيسة وزراء أسترالية، في الأونة الأخيرة بالرجل ذاته الذي خطفت منه منصب رئاسة الوزراء قبل ثلاث سنوات من الآن, في أقل من يوم, حدث هذا الانقلاب في قيادة البلاد، الذي أعاد رئيس الوزراء السابق، كيفين رود، إلى المنصب عقب استطلاعات رأي سلبية مُنيت بها الحكومة التي ترأسها جيلارد قبيل انتخابات سبتمبر المقبلة.
في عملية أطلق عليها بالفعل أحد أهم التحولات السياسية الكبيرة في تاريخ أستراليا, حيث تمكن رود من استعادة منصبه من خلال إجراء تصويت داخلي للحزب, حصل فيها على 57 صوتًا مقابل 45 لجيلارد, مما مكنه من أداء القسم كرئيس للوزراء من جديد.
جدير بالذكر أنَّ جيـلارد أطاحت بخصمها رود, الذي كان يقود حزب العمال الأسترالي من وسط اليسـار إلى أواسط عام 2010  بعدما خسر رود تأييد حزبه بسبب مشاكل مرتبطة باضطرابات قطاع المناجم والتغير المناخي, وبعد شهرين, تمكّنت جيلارد بصعوبة من دفع الحزب إلى ولاية جديدة بتشكيل حكومـة أقليـة بمشاركة عدد من المستقلين في البرلمان، لكنها واجهت متاعب من رود الذي لم ينسَ عملية الإطاحة به.
في حين أنَّ رود استمر في الحكومة كوزير للخارجية، فلم يتمكن من العودة إلى منصبه في  أوائل عام 2012 بعد التنافس مرة أخرى على منصب رئاسة الوزراء، لكن عندما فشل في العودة انسحب من الحكومة مفضلاً الجلوس في المقاعد الخلفية وسط اتهامات له بزعزعة استقرار الحزب.
ويبدو أنَّ الناخبين الأستراليين الذين بدأوا يميلون أكثر نحو الحزب الليبرالي المحافظ، فاجأتهم المحاولات التي قام بها رود لاستعادة رئاسة الوزراء في مطلع العام الجاري، بينما انخرطت وسائل الإعلام في تكهنات عديدة بشأن محاولة ثالثة للانقلاب على جيلارد ينظمها رود ورفاقه في الحزب.
الأربعاء الماضي, قامت جيلارد بالدعوة إلى تصويت حزبي لتحديد رئيس الوزراء، وبدت حظوظ رود غير مشجعة إلى قبل نصف ساعة من الاقتراع عندما أعلن أحد داعمي جيلارد التقليديين، بيل شورتن، تغيير موقفه ودعم رود.
من جانبها, تقول إيفا كوكس، المعلقة الأسترالية والمحللة السياسية: "إنَّ حزب العمال الأسترالي خشي من خسارة السلطة في الانتخابات المقبلة، لاسيما في ظلّ استطلاعات الرأي التي لا تمنحه التفوق، لـذا قرَّر اختيـار رود لقيادتـه في هذه المرحلـة لأنهم بحاجـة إلى شخص يجيد التواصل لشرح مواقف الحزب للناخبين المستائين", مضيفة "كان لديهم عجز في التواصل مع الناخبين، ولم تكن استطلاعات الرأي في صالحهم".
كما جاء التغيير في قيادة الحزب عقب سلسلة من الاستطلاعات التي أشارت إلى احتمال خسارة جيلارد لحوالي 35 مقعدًا خلال الانتخابات المقبلة، معطية حزب المحافظين بقيادة، توني آبوت، أغلبية كاسحة بحوالي 150 مقعدًا برلمانيًا.
من المرجح أن لا ينسى الأستراليون حكومة جيلارد, التي قالت في تصريح لها "إنها فخورة جدًا بما حققته حكومتها"، بالإصلاحات التي استفاد منها ذوو الاحتياجات الخاصة، وما حققته في مجال التعليم، فضلاً عن فرضها ضريبةً على الكربون أثارت الكثير من الجدل.
ومن المتوقع، عقب هزيمتها لصالح رود، أن تترك جيلارد السياسة للأبد بعد تعهدها قبل ساعات من الاقتراع الحزبي بالمغادرة إلى جانب حلفائها، بمن فيهم أمين صندوق الحزب"وين سوان"، بالإضافة إلى آخرين سيتم التخلي عنهم في إطار التغيير السياسي الذي ستعرفه قيادة الحزب.
أما رود فسيؤدي القسم الدستوري أمام الحاكم العام، وسينضم إليه نائب جديد هو أنثوني آلبي، وهو أحد مناصريه القدامى.
ورغم إظهار استطلاعات الرأي أنَّ رود سيكون خصمًا صعبًا بالنسبة للحزب الليبرالي المحافظ وسيصعب هزيمته، إلا أنَّ المراقبين يقولون إنَّه من غير المرجح أن يقود رود حزب العمال الأسترالي إلى انتصار في الانتخابات المقبلة.
كما تقول كوكس "سيكون من الصعب للغاية في ظل الظروف الراهنة أن يفوز اليسار في الانتخابات القادمة، لكن مع ذلك أستطيع القول "إنَّ زعيم المعارضة توني أبوت ليس سعيدًا بهذا التغيير في قيادة الحزب لأنَّه يصعب عليه الأمر", مضيفة "أن أبوت يدرك شراسة المعركة التي تنتظره، إذ مهما قيل عن رود فإنَّه يظل في جميع الأحوال سياسيًا محنكًا".
ويذكر أنَّ جيلارد التي ذاع صيتها في السنة الماضية بفضل خطابها الشهير حول المرأة وهجومها على زعيم الحزب المحافظ، أبوت، استماتت في محاولات متكررة للحفاظ على منصبها والبقاء على رأس الحزب من خلال التركيز على حقوق المرأة وجعلها في صدارة حملتها الانتخابية لعام 2013.
ورغم سعي بعض أنصارها إلى تصوير الإطاحة بها كجزءٍ من هجوم عام تتعرض له مشاركة المرأة في الحياة السياسية، لاسيما وأنها المرأة الأولى في تاريخ أستراليا التي تتبوأ منصب رئاسة الوزراء، تبقى الحقيقة أن ما حرك الإطاحة بها هي الاعتبارات الانتخابية ورغبـة الحزب في تلافـي الهزيمـة ما أمكن في ظل نتائج استطلاعـات الرأي غير المرضية.
-------------------
طالع ...المصدر

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

النوبة .. ملاذُ السكينة على ضفاف النيل

اليمين النمساوي يطالب بحظر الرموز الإسلامية وسياسيون أيرلنديون يحثون على استيعاب المسلمين.. الأقليات المسلمة في أسبوع

اكبر حديقة ازهار في العالم.. 45 مليون زهرة وسط الصحراء