تركيا التي ازدهرت في عهد أردوغان!


ترجمة: حسن شعيب

لا شك أن الاحتجاجات التي اندلعت في تركيا في الأسبوع الماضي كانت محض تزييف للصورة الحقيقة التي غدت تعيشها البلاد ولا سيما في عهد أردوغان وحزبه "العدالة والتنمية" الذي نهض بالدولة العثمانية وأعاد لها بعضًا من بريق مجدها.
وفي هذا الصدد كتب "جيفري ساش" مقالاً بعنوان: "لماذا ازدهرت تركيا؟"، وهذه ترجمته:
في الآونة الأخيرة قمتُ بزيارة إلى تركيا, تذكرتُ النجاح الاقتصادي الهائل الذي حققته البلاد خلال العَقد الماضي؛ حيث سجل الاقتصاد نموًّا سريعًا، وكانت فجوة التفاوت بين الناس آخذة في التضاؤل، والإبداع في ارتفاع.
من المؤكد أن إنجازات تركيا تبدو أكثر من رائعة مقارنة بجيرانها من الدول؛ حيث تعتبر قبرص واليونان -في الغرب- مركزًا لأزمة منطقة اليورو, بينما مزقت الحرب سوريا في الجنوب الشرقي، حتى فر حوالي 400 ألف لاجئ إلى تركيا, وفي الشرق سنجد العراق وإيران، وأرمينيا وجورجيا في الشمال الشرقي, وإذا كان هناك جوار أكثر تعقيدًا في العالم من هذا، فلن يكون من السهل العثور عليه.
بَيدَ أن تركيا تمكنت من تحقيق تقدم ملموس في خضم الاضطرابات الإقليمية, بعد تراجع حاد في الفترة (1999-2002م)؛ سجل اقتصادها نموًّا بنسبة 5٪ من عام (2002- 2012م), كما تجنبت مصارفها قمة الكساد في العَقد الماضي، بعد أن تعلمت من الانهيار المصرفي في الفترة (2000-2001م), حتى فازت حكومة "العدالة والتنمية" بثلاثة انتخابات عامة متتالية، وفي كل مرة بحصة أكبر من الأصوات الشعبية.
خلال الإقامة القصيرة في أنقرة, يمكن للمرء أن يتعرف على مواطن القوة الكامنة في تركيا. كما تمر الجامعات التركية بنهضة واضحة؛ حيث أصبحت أنقرة مركزًا للتعليم العالي، وتجتذب الطلاب من إفريقيا وآسيا, كما توفر الجامعات التركية احتياجات شركات التكنولوجيا الفائقة العاملة في مجالات: الطيران، وتكنولوجيا المعلومات، والإلكترونيات المتقدمة، بالإضافة إلى عدة مجالات أخرى.
ويُحسب لتركيا أنها بدأت في الاستثمار في التكنولوجيات المستدامة بكثافة؛ حيث تمتلك البلاد الرياح، والطاقة الحرارية الأرضية، وغير ذلك من مصادر الطاقة المتجددة، ومن المرجح أن تصبح دولة مصدرة للابتكارات الخضراء المتقدمة إلى مختلف أنحاء العالم.
ومن نافلة القول: إنه لا يمكن أن تشكل مرافق معالجة النفايات مناطق جذب سياحية، لكن قصة تركيا مع نظامها المتكامل في إدارة النفايات للمناطق الحضرية في أنقرة نجحت بحق في جذب انتباه العالم, بعد أن تحولت مقالب القمامة -التي كانت تثير رائحة كريهة وعطنة حتى سنوات قليلة- إلى منطقة خضراء بفضل التكنولوجيا المتطورة.
الواقع أن القاعدة المتنوعة المبتكرة التي تقوم عليها قطاعات الصناعة والبناء والتشييد والخدمات تخدم تركيا إلى حد كبير في عالم تتحول فيه فرص السوق من الولايات المتحدة وأوروبا الغربية إلى: إفريقيا، وأوروبا الشرقية، والشرق الأوسط، وآسيا.
وبالفعل, كانت تركيا حاذقة في اغتنام هذه الفرص الجديدة، مع توجيه الصادرات بشكل متزايد إلى الجنوب والشرق حيث الاقتصاديات الناشئة، وليس إلى الغرب حيث الأسواق ذات الدخول العالية, وسيستمر هذا الاتجاه مع تحول إفريقيا وآسيا إلى سوقين كبيرين قويين للشركات التركية في مجالات البناء وتكنولوجيا المعلومات والإبداع الأخضر.
لكن كيف فعلت تركيا كل هذا؟ الأكثر أهمية في ذلك أن رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان وفريقه الاقتصادي, تحت قيادة نائب رئيس الوزراء على باباجان، تمسكوا بالأساسيات وتَحلَّوا بالنظرة البعيدة المدى.
وصل أردوغان إلى السلطة في عام 2003م، عقب سنوات من عدم الاستقرار على المدى القصير والأزمات المصرفية, فاستدعى صندوق النقد الدولي لعملية إنقاذ طارئة, وخطوة بخطوة، كانت إستراتيجية (أردوغان/باباجان) تتلخص في إعادة بناء القطاع المصرفي، ووضع الموازنة تحت السيطرة، والاستثمار بكثافة وبشكل ثابت حيثما كان الإنفاق ضروريًّا ومثمرًا: البنية الأساسية، والتعليم، والرعاية الصحية، والتكنولوجيا.
كما كانت الدبلوماسية الذكية من العوامل المساعدة؛ حيث ظلت تركيا صوتًا معتدلاً بثبات في منطقة تتسم بالتطرف, فكانت حريصة على سياسة "الباب المفتوح"، و"الدبلوماسية المتوازنة" -قدر الإمكان- في التعامل مع القوى الرئيسية في جوارها, مما ساعدها في الحفاظ على توازنها الداخلي، والفوز بالأسواق في ظل غياب المخاطر الجيوسياسية الداعية للانقسام، وتركتها الثقيلة.
ليس ثَمَّة شك في أن قدرة تركيا في الاستمرار على النمو السريع تظل غير مؤكدة؛ حيث إنه من المحتمل أن أيًّا من الأزمات (منطقة اليورو، أو سوريا، أو العراق، أو إيران، أو أسعار النفط العالمية) قد تُؤدي إلى عدم الاستقرار, ومجرد موقع تركيا في جوار خطير يعني التعرض لمخاطر لا مفر منها، برغم أنها أظهرت قدرة ملحوظة خلال العَقد الماضي في التغلب على مثل هذه المخاطر.
علاوة على ذلك، يشكل التحدي المتمثل في رفع جودة التعليم والتحصيل -وخاصة بين الفتيات والنساء- أولوية جادة, وبالفعل أقرت الحكومة بوضوح بتحدي التعليم، وهي حريصة على مواجهة هذا التحدي من خلال إصلاح المدارس، وزيادة الاستثمارات، وتقديم تكنولوجيات المعلومات الجديدة في الفصول الدراسية.
يبدو أن النجاحات التي حققتها تركيا تضرب بجذور عميقة في القدرة الحكومية ومهارات شعبها، وتعكس عقودًا من الاستثمار وقرونًا من التاريخ الذي يعود إلى العهد العثماني, ولا يمكن لدول أخرى أن تستنسخ هذه الإنجازات ببساطة؛ ولكنها تظل قادرة على تعلم واستيعاب الدرس الأساسي الذي كثيرًا ما نتناساه في عالم فقاعات "التحفيز"، والتفكير القصير النظر.
-------------------
طالع ...  المصدر

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

النوبة .. ملاذُ السكينة على ضفاف النيل

اليمين النمساوي يطالب بحظر الرموز الإسلامية وسياسيون أيرلنديون يحثون على استيعاب المسلمين.. الأقليات المسلمة في أسبوع

اكبر حديقة ازهار في العالم.. 45 مليون زهرة وسط الصحراء