كيف التفاوض مع "طالبان" ؟!
ترجمة: حسن شعيب
حاول
المتحدث باسم طالبان أن يجعل نفسه واضحا لأقصى درجة, حتى يستطيع أقل
الأجانب فطنة أن يدرك ما يعنيه, حينما قال, بعد مقتل نائب قائد طالبان
باكستان في غارة أمريكية هذا الأسبوع, "لقد فشلت الحكومة في إيقاف هجمات
الطائرات من دون طيار، لذا فقد قررنا إنهاء أي مفاوضات مع الحكومة، أي
القيادة الجديدة في إسلام أباد", ولكن المقصود من الرسالة, على ما يبدو,
كان المفاوض الرئيسي لطالبان وهي واشنطن.
على
مدى العقد الماضي، اعتمدت السياسة الأمريكية في أفغانستان وباكستان على
القوة العسكرية الساحقة وإنفاق مبالغ لا يمكن تخيلها من النقود, إلا أن
النتائج, على أحسن الأحوال, كانت مخيبة للآمال, حتى مع وصول أعداد القوات
في أفغانستان إلى مائة ألف جندي، والإنفاق السنوي 100 مليار دولار, فهل
نستطيع أن نؤدي على نحو أفضل، مع نسبة صغيرة فقط من تلك الموارد؟ ينبغي
علينا فعل ذلك.
بحلول
نهاية عام 2014, يتوقع أن يتقلص الوجود العسكري الأمريكي لعدد صغير لا
يتجاوز 3000 جندي، مما سيؤدي إلى تقلص بشكل كبير في الالتزامات المالية,
وسواء كان هدفنا هو مكافحة الإرهاب، أو تعزيز الاستقرار الإقليمي، أو مجرد
الانسحاب المنظم للقوات، فإن أمريكا قريبا ستجد نفسها مجبرة على ممارسة
لعبة "هيا بنا نبرم اتفاقا", والسؤال هل سنتمكن من معرفة القواعد الأفغانية
لهذه اللعبة؟
من
حسن الحظ, برغم أن القواعد التي يستند عليها الأفغان والبشتون على وجه
التحديد لإقامة تحالفات دائمة قد يكون من الصعب إتقانها، لكنها وسائل
مفهومة للغاية, وبوصفي من المتخصصين في علم الإنثروبولوجيا، بمقدوري اقتراح
بعض الإرشادات، التي يمكن لنا أن نستعين بها في فهم المعنى الاجتماعي
للصفقات الأفغانية, كما أن قوة كل صفقة من الصفقات تعتمد على قوة العلاقات
التي تم عقدها في إطارها.
ومن أجل مساعدة الأمريكيين على أن يصبحوا مفاوضين أفضل, ينبغي عليهم فهم بعض النقاط الرئيسية في هذا الصدد:
أولا: صفقة البشتون ليست اتفاقا
ينظر
الأمريكيون الصفقة بالمنظور التعاقدي, أي أنت تعطيني هذا وأنا أعطيك شيئا
مقابله، وبعد ذلك يُسلم كل طرف على الآخر، وقد لا يراه مرة أخرى في حياته,
ربما يصلح هذا الأمر إذا ما كنت هناك ثقة في النظام السائد المتمثل في
سيادة القانون، والمحاكم الفاعلة، والشرطة المسئولة أمام الجمهور, بدلا من
القائد العسكري.
لكن
الأمر في المجتمع البشتوني على النقيض تماما, فالقانون الذي يهم هو قانون
بشتون والي (عبارة عن نظام تقليدي يعتمد على شبكات مترابطة من العلاقات
العميقة القوية), لذلك ينبغي على الأمريكيون إقامة علاقات قوية ودائمة مع
البشتون إذا ما رغبوا في عقد صفقة دائمة ومستمرة.
ثانيا: صفقة للوقت الراهن وليست للأبد
تعتبر
أي صفقة مع البشتون تخليدا للوضع الراهن في وقت معين, حيث إذا تغيرت
القواعد الأساسية تغيرت الصفقة, وأن كل اتفاق يعتمد على العلاقات الشخصية
وعلاقة أي بشتوني شي عضوي, أي أنها صفقة هشة تحتاج باستمرار إلى أن تسقى,
وبدون العناية الفائقة لكل علاقة فإنها سوف تذبل وتموت.
ثالثا: الشرف العامل الأهم
على
الرغم من أن المال شيء مطلوب وهام للغاية في كل مجتمع، فإن المجتمع
البشتوني في المقام الأول يهتم بالعزة والشرف، لأنها تؤدي لزيادة عزة المرء
بمعنى شرفه أو سمعته الطيبة أو احترامه وسط قومه, حيث أن الصفقة التي تزيد
من عزة القبيلة وشرفها من المرجح الحفاظ عليها أكثر من تلك التي تظهر
القبيلة ألعوبة في يد الأجانب.
رابعا: بصمة القدم الأصغر تمنح الأمريكيين مزيد من الأصدقاء.
يعرف
المجتمع البشتوني التقليدي أنه مدينة تقع تحت سيطرة الزعماء المحليين
للقبائل والأمراء, حيث ينظر إليهم على أنهم الآباء الروحيين للقبيلة, وهو
الذي يلجئون إليه لحل مشاكلهم, لذلك فإن تخفيض أعداد القوات سيجعل زعماء
القبائل الأمراء أكثر قدرة على القيام بدور أكبر وسط مجتمعاتهم مقارنة بما
يكون عليه الأمر عندما تصبح بصمة القدم ثقيلة.
خامسا: مزيد من الأموال, مزيد من المعضلات.
من
جانبه, قال فريدريك بارث عالم "الأجناس البشرية" الكبير, إلى منتصف القرن
العشرين, ظل المجتمع البشتوني يحيا في تعاملاته بدون نقود, إلا أن الولايات
المتحدة أخطأت حينما اعتمدت بقوة على منح الأموال في شراء الولاءات، في
حين كان يمكن لها شراء تلك الولاءات بمجرد معرفة طريقة التعامل مع الوجهاء
وزعماء القبائل والتي تقوم على شيء بسيط، وهو منحهم ما يستحقون من احترام.
سادسا: قليل من السلاح, مزيد من المجد.
ثمة
عنصر مركزي في العزة وهو الشجاعة, والشجاعة الحقيقية لدى البشتون تتطلب
درجة من الاندفاع والتهور, وليس هناك أي شرف أو شجاعة في امتلاكك سلاحا
أكثر من خصمك ومنافسك, فالشجاعة هو أن تكون مماثلا لغريمك في التسليح أو
عدم التسليح, لذلك فهم ينظرون إلى طائرات الأباتشي والطائرات بدون طيار
وغيرها من الاسلحة التي تمتلكها الولايات المتحدة دليل دامغ على عدم توفر
الشجاعة لدى الأمريكيين لمواجهتهم في معركة عادلة.
سابعا: الأفغان يتولون زمام المبادرة.
ركز
الخطاب الأمريكي لسنوات طويلة على أهمية نقل السلطات للحكومة الأفغانية،
وتمكين الأفغان من حل مشكلاتهم، ولكن ما كان يُقال كان أقل بكثير مما يحدث
في الواقع على الرغم من أن تولي الأفغان للمسؤولية سيجعلهم أكثر قدرة على
إيجاد الحلول للكثير من المشكلات التي تصادفهم لأنهم أدرى بظروفهم.
ومما
قاله "مثل بشتوني" "إن الرجل الذي يملك القوة الكافية التي تمكنه من
القتال ليس في حاجة للدخول في مفاوضات", إلا أن الظروف المواتية أصبحت
حتمية في إجبار الامريكان للحديث والتفاوض مع طالبان.
---------------
طالع ... المصدر
تعليقات