رسالة من "جوانتاناموا"!

ترجمة: حسن شعيب

خلال مكالمة هاتفية سرية مع محاميه من منظمة ريبريف الخيرية القانونية في أوائل الشهر الجاري, أرسل سمير ناجي الحسن مقبل،دون أن يقصد, هذه الرسالة التي نشرتها صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية, ليروي فيها بعضًا من معاناته وآلامه هو وزملاؤه في معتقل جوانتاناموا الذي وعد الرئيس الأمريكي باراك أوباما بإغلاقه لكنه لم يفعل, وهذه ترجمة الرسالة:
قد لا يتعدَّى وزن البعض في هذا المعتقل حوالي 77 باوند (35 كيلو جرام) والبعض الآخر قد يزن 98 باوند (45 كيلو جرام) بينما كان آخر شيء عرفته عن وزني أنَّه 132 باوند (60 كيلو جرام) وكان هذا  قبل شهر من الآن, حيث إنني أضربت عن الطعام منذ 10 فبراير الماضي، فقدت خلالها أكثر من 30 باوند (13 كيلو جرام) من وزني, لكني لن أتذوق الطعام حتى أستعيد كرامتي.
منذ أحد عشر عامًا وثلاثة أشهر, صرتُ نزيل معتقل جوانتاناموا, دون أن توجه إلىّ أية تهمة بارتكاب أية جريمة, كما لم أُقدّم للمحاكمة على الإطلاق, كان من المفترض أن أعود إلى وطني منذ سنوات طويلة, حيث لا يعتبر أحد وجودي تهديد, لكني ما زلت هنا في هذا المعتقل البغيض.
ظل الأمريكيون يرددون لسنوات عديدة أنني كنت حارسًا خاصًا لزعيم تنظيم القاعدة الراحل أسامة بن لادن, لكن هذا "هراء" ويُشبه إلى حد كبير أحد الأفلام الأمريكية التي اعتدتُ على مشاهدتها, ويبدو أنَّهم لا يريدون حتى أن يصدقونني أو حتى يبدو عليهم الاهتمام بمدة مكوثي هنا.
عندما كنت في بلدي "اليمن" عام 2000, أخبرني صديق طفولتي أنني يمكنني أن أحصل على أكثر من 50 دولارًا في الشهر التي أكسبها من خلال عملي وأوفر حياة أفضل لعائلتي, لم أكن سافرت إلى أفغانستان أو أعرف عنها شيئًا, لكني أردت أن أحاول.
بيد أنّي كنت مخطئًا لأني وثقت به, فلم يكن هناك أي عمل وأردت المغادرة, لكن لم يكن لدي نفقة السفر إلى بلدي, وبعد الغزو الأمريكي في عام 2001, فررت إلى باكستان كآخرين مثلي, لكن الباكستانيين اعتقلوني عندما طلبت رؤية أحد المسئولين في السفارة اليمنية, وبعد ذلك أرسلت إلى قندهار لأكون على متن أول طائرة ذاهبة إلى جوانتاناموا.
في يوم 15 من شهر مارس الماضي, عندما كنت راقدًا من المرض في مستشفى السجن ورفضت تناول الطعام, دخلي عليّ فريق من الشرطة العسكرية من الفرقة الثامنة لمكافحة الشغب، وربطوا يدي وقدمي إلى السرير، ثم أدخلوا حقنة التغذية الوريدية في يدي قسرًا, وأمضيت 26 ساعة على هذه الحالة (مقيّدٌ إلى السرير), وخلال هذا الوقت لم يسمح لي بالذهاب إلى المرحاض, بل وضعوا لي قطارة بولية، والتي كانت مؤلمة للغاية ومهينة، وغير ضرورية, فضلاً عن أنهم منعوني من الصلاة.
أبدًا, لن أنسى المرة الأولى التي أدخلوا فيها أنبوب التغذية المعدية عبر أنفي, لا يمكنني وصف حجم الألم على أن تجبر على تناول الطعام بواسطة أنبوب عبر الأنف, لقد جعلني أشعر برغبة في التقيؤ, لكني حتى لم أستطع ذلك, كما شعرت بألم مبرح في صدري، وفي حنجرتي، وفي معدتي, لم أعاني من قبل مثل تلك الآلام لذا لا أتمنى هذه المعاناة لأي أحد.
حتى اليوم, يتم إطعامي رغمًا عني, حيث يقيدونني مرتين يوميًا إلى كرسي في زنزانتي, وتتدلى ذراعي وساقي ورأسي إلى الأسفل، ولا أدرك أبدًا متى يأتون, فتارة خلال الليل، وتارة في وقت متأخر، مثل الساعة 11 ليلاً، عندما أكون نائمًا, وهم يقومون بذلك حتى لا نموت, إمعانًا في التعذيب والإهانة.
خلال إحدى جولات التغذية الإجبارية, قامت الممرضة بإدخال إنبوب بطول 18 بوصة  داخل معدتي، والتي آلمتني أكثر من المعتاد, لأنها كانت تقوم بعملها على عجل, طلبت من المترجم أن يسأل الطبيب إن كانت قد أدَّت عملها بشكل صحيح, بسبب ما شعرت به من الألم, كما توسلت إليهم أن يتوقفوا عن تغذيتي, لكن الممرضة رفضت, وعندما طلبت السماح لي بتغير ثيابي، رفض الحارس أن يسمح لي  بممارسة أبسط أشكال كرامتي الإنسانية.
إن السبب الوحيد لبقائي, أن الرئيس أوباما رفض عودة أي من المعتقلين إلى اليمن, وهذا لا معنى له وهراء, فأنا إنسان أستحق أن أعامل كذلك لست جواز سفر, لا أريد أن أموت هنا، لكن سأظل معرضًا للخطر حتى يستجيب الرئيس أوباما والرئيس اليمني ويقومان بعمل شيء ما.
أتساءل أين حكومتي؟ كما أني على استعداد للتقديم لأي إجراءات أمنية لكي يعيدونني إلى وطني, رغم أن هذا غير ضروري تمامًا, كما أنني أوافق على أي شيء في مقابل حريتي, فكل ما أريده هو رؤية أهلي من جديد بعد أن أصبح عمري 35 عامًا.
في الواقع, إن الموقف يائس للغاية, حيث يعاني جميع المعتقلين بقسوة, يوجد ما لا يقل عن 40 سجينًا مضربًا عن الطعام, والذين يغمى عليهم يوميًا من الضعف والوهن, لقد لجأنا لذلك لأنه لا خيار أمامنا سوى أن نحرم أنفسنا من الطعام، ونخاطر بالموت كل يوم حيث لا يبدو نهاية لمعاناتنا في الأفق.
في النهاية أرجو من العالم كله, بعد سماع معاناتنا، أن ينظر إلى معتقلي جوانتانامو قبل فوات الأوان.
------------------
طالع.. المصدر

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

النوبة .. ملاذُ السكينة على ضفاف النيل

اليمين النمساوي يطالب بحظر الرموز الإسلامية وسياسيون أيرلنديون يحثون على استيعاب المسلمين.. الأقليات المسلمة في أسبوع

اكبر حديقة ازهار في العالم.. 45 مليون زهرة وسط الصحراء