صعود الإسلام السياسي.. وحتمية التعامل!
ترجمة: حسن شعيب
انقضى
أكثر من عامين منذ بداية الاحتجاجات التي أدَّت إلى سقوط الأنظمة
الاستبدادية في جميع أنحاء شمال أفريقيا والشرق الأوسط، فيما أطلق عليه
"الربيع العربي" والذي لم يتصوَّره معظم المراقبين ولم يأملوا أن يُفضي لما
هو عليه في الوقت الآنِي.
حيث
سادت مصر حالة من الفوضى، واحتدمت الحرب الأهلية المدمرة في سوريا، وفي
الوقت ذاته أخذ الإسلام السياسي في الصعود في جميع أنحاء المنطقة, وأصبح
جليًا أنَّ الثورات العربية ستنتهي في نهاية المطاف باستبدال حكم
الإسلاميين بالحكم السيئ والتسلط من الحكام العلمانيين.
لكن
كان من الممكن صعود الإسلام السياسي في أماكن مثل مصر وتونس أو الجزائر؟
وهل كان من الواجب على الغرب أن يكون أكثر صرامة مع الإخوان المسلمين أو
السلفيين؟ أو ربما أكثر ملائمة؟
ليس
بهذه السرعة, وقبل إصدار أحكام كاسحة فيما يتعلق بفشل السياسة الأجنبية
الأمريكية أو الغربية، فمن المستحسن أن ننظر إلى جذور الإسلام السياسي, وما
وراء نجاحه وصعوده, حيث تظهر المعلومات المتاحة عن السلوك الانتخابي من
الديمقراطيات ذات الأغلبية المسلمة، مثل إندونيسيا، أنَّ الروابط بين
التدين والتصويت للمرشحين الدينيين ضعيفة, مما يؤكد, باختصار، أنَّ التدين
يُشكل مؤشرًا ضعيفًا حول الشخص الذي يصوت له الناس ولماذا, وربما يكون هناك
نقص في المعلومات المشابهة القادمة من دول الربيع العربي, لكنها تبرز أنَّ
تأثير الدين على المواقف السياسية بسيط.
علاوةً
على ذلك, لا يمكن تمييز الأجندة السياسية الإسلامية عن غيرها من البرامج
السياسية الأخرى, فعندما ننظر في حركة النهضة الإسلامية في تونس، التي
تمتلك البرنامج الاقتصادي الأكثر تفصيلاً من بين جميع الأحزاب الإسلامية في
المنطقة, لكنها مع ذلك، عرضت تفاصيل قليلة، إلى جانب تأييد اقتصاد السوق
والتعهد بمكافحة عدم المساواة.
في
قلب الإسلام السياسي في العالم العربي تتصدر جماعة الإخوان المسلمين، وهي
مجموعة تأسست أصلاً في عام 1928 في مصر، وشاركت في العملية السياسية، ووعدت
بتوفير الخدمات الاجتماعية, وبمرور الوقت، أصبحت هناك شبكة فضفاضة من
الأحزاب الإسلامية في جميع أنحاء المنطقة، وأيضًا نموذجًا من التنظيم
يُحتذى به على نطاق واسع الذي يجمع بين النشاط السياسي والديني مع توفير
الخدمات الاجتماعية.
وهذه
الأخيرة هي التي تجعل الإخوان مميزين بشكل خاص, حيث تسمح الأنظمة العربية
عادة لجماعات مثل الإخوان بتشغيل المستشفيات والمدارس وكذلك تقديم المساعدة
للفقراء, ونتيجة لذلك، في عام 2006، كان الإخوان يديرون المدارس في كل
محافظة في مصر، فضلاً عن 22 مستشفى في جميع أنحاء البلاد, كما كان
الإسلاميون أيضًا الحركات والتنظيمات الأكثر فعالية لتوفير مساعدات واسعة
خلال الكوارث، مثل زلزال الجزائر عام 1989, وزلزال مصر 1992, كما يشرف
الإسلاميون في مواقع أخرى على الأندية الرياضية، ويقيمون حفلات الزفاف
الجماعية ويوفّرون التمويل للعائلات التي تدعم تطبيق الشريعة.
نتيجة
لذلك، أصبحت جماعات الإسلام السياسي العلامة التجارية الموثوقة, ولا سيما
في بيئة سياسية يُنظر إلى السياسيين من معظم الناخبين بأنَّهم محتالين, لكن
عندما تظهر إحدى التنظيمات السياسية, لديها من السجل الاجتماعي ما تحفل به
ما يزيد عن سبعين عامًا في تقديم الخدمات، فإنَّ نظر الناخبين تختلف.
لذلك
إذا تساءلت لماذا يبلي الإسلاميون بلاءً حسنًا في ليبيا, فينبغي علينا أن
نتذكر أن جماعة الإخوان المسلمين، وحزبها "العدالة والبناء" تأسسَا فقط في
مارس 2012, حيث كان القذافي أكثر استبدادًا من نظرائه المصري والجزائري،
ونجح في منع الجماعات الدينية المستقلة عن تقديم الخدمات المجتمعية،
والتعليم أو الرعاية الصحية, كما في غيرها من الدول.
قد
يكون نجاح وصعود الأحزاب الإسلامية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا يحمل
أخبارًا جيدة وسيئة, فهي جيدة لأنَّ المصداقية السياسية والأسماء الموثوقة
تجاريًا عادة ما تكون غير متوفرة في البلدان الانتقالية, بيد أنَّ الأخبار
السيئة قد تعزو إلى أنَّ الناخبين الذين يجدون مثل هذه الجماعات ذات
مصداقية لا تخبرنا سوى القليل عن السياسات التي سيقدمونها وتلك التي يمكن
بسهولة أن تتناقض مع الحرية والديمقراطية.
بمرور
الوقت، من المتوقع أن تضعف الميزة التي يتمتع بها الإسلاميون حاليًا في
دول الربيع العربي من كما في أندونيسيا, وخاصة إذا استطاعت الجماعات
والحركات السياسية الأخرى أن تؤسّس علاماتها التجارية الخاصة بها، وبناء
سمعة خاصة بها, لكن حتى ذلك الحين، ينبغي على الغرب أن يقبل ويقر بأن
جماعات الإسلام السياسي جزء لا يتجزأ من المشهد العربي, ولا يُمكن لأي قدر
من التهويل أو المواقف السياسية تغيير ذلك.
---------------------
طالع.. المصدر
تعليقات