بورما في أمريكا..!
ترجمة: حسن شعيب
خلال
زيارته إلى الولايات المتحدة, التقي رئيس دولة بورما, ثين سين، بالرئيس
الأمريكي باراك أوباما, الذي بدوره أشاد بالتقدم في مجال الإصلاحات
الديمقراطية والمكاسب التي حققتها الحكومة مثل إطلاق سراح المئات من
المعتقلين على أساس سياسي، أو ديني، ورفع القيود المفروضة على الإنترنت
والإعلام، بالإضافة إلى تنظيم انتخابات برلمانية محدودة.
لكن
هذه الإشادة بالإنجازات لم تتمكن من غض الطرف عن العنف الطائفي والتمييز
العرقي المتصاعد في البلاد، والذي يُغذي الفظائع والتجاوزات الخطيرة لحقوق
الإنسان الجارية حالياً في بورما والتي تهدد بتمزيق البلاد وتقسيمها, حيث
قال أوباما, "لقد تحدثت مع رئيس بورما عن قلقنا البالغ إزاء العنف الطائفي
الموجه ضد الأقليات المسلمة في البلاد, وطالبته بوقف نزوح السكان والعنف
الموجه إليهم".
لقد
أصبح من الجرم السكوت على هذه الانتهاكات الفظيعة لحقوق الإنسان على أساس
ديني وعرقي والتي تمت الإشارة إليها بوضوح في التقرير السنوي للعام 2013
الصادر في 30 أبريل الماضي عن اللجنة الأمريكية لحرية الممارسة الدينية.
لا
شك أن الأقلية المسلمة المعروفة باسم الروهينجا تظل من بين الأقليات
الأكثر اضطهادا في العالم، حيث أنهم محرومون من الجنسية ويتعرضون للتمييز
في كل مناسبة، كما يواجهون العنف المسلط ضدهم في ولاية راخين غرب البلاد
والذي غالبا ما يحرض عليه الرهبان البوذيون وتنفذه ميليشيات محلية بتواطؤ
مع الشرطة.
واستنادا
إلى عدد من المصادر داخل ميانمار وخارجها, أكد تقرير "اللجنة الأمريكية
لحرية الممارسة الدينية", "على مدار السنة الماضية أحرق المهاجمون العديد
من قرى المسلمين وقتلوا أكثر من ألف شخص، فيما نزح عن ديارهم ما يزيد عن
مائة ألف شخص يعيشون في ظروف قاسية بمخيمات للاجئين، فضلا عن ندرة في
الغداء والمساعدات الطبية أو توفر مأوى جيد يحميهم من العواصف".
الأكثر
من ذلك, تعرض النساء للاغتصاب على نحو ممنهج من قبل الجيش والميليشيات
المحلية, وهذا لا يقتصر على المسلمين فحسب, بل يتعدى كذلك إلى الأقلية
المسيحية التي تُعاني هي الأخرى من تمييز حاد ضدها، بما فيه منع بناء دور
العبادة وتدمير الآثار الدينية، وحظر التجمعات التعبدية والاحتفال بالأعياد
الدينية.
بالفعل,
فشلت الحكومة, في كل أنحاء البلاد, في حماية الأقليات ووقف أعمال العنف
الطائفي، كما أنها لا تحاسب المتورطين في هذه الجرائم، فضلا عن حظر نشر
الكتب المقدسة باللغات المحلية سواء كان القرآن، أو الإنجيل, بينما تظل
الولايات المتحدة تساعد في تقديم المساعدة لتحقيق الإصلاح السياسي في
بورما، لكنه على ما يبدو لا يتجاوز سوى تقديم مساعدات اقتصادية وسياسية.
في
الوقت الراهن, ينبغي على الولايات المتحدة أن تستخدم حجب المساعدات على
القادة العسكريين ومؤيديهم، وإعطاء الأولوية إلى المناطق العرقية التي
تعاني التهميش والاضطهاد، وتحفيز التسامح والتعايش مع الآخر.
من
المؤكد أن واشنطن يمكنها تزويد بورما بوضع معايير التقدم, والتي ينبغي أن
تضم إطلاق سراح معتقلي الرأي, وكذلك من المهم العمل على الوقف الفوري
للحملة العسكرية التي يخوضها الجيش ضد الأقليات العرقية، والتوصل إلى حل
لمشكلة مسلمي الروهينجا فيما يتعلق بحق المواطنة, فضلا عن وضع حد للسياسات
التمييزية ضد المسلمين والمسيحيين, ولا يفوتنا التأكيد على محاسبة
المتورطين في أعمال العنف بعد تحقيق الخطوات السابقة, كما ينبغي على
الحكومة في بورما ضمان وصول المساعدات الأمريكية إلى مناطق الروهينجا في
ولاية راخين.
أخيرا, تستطيع واشنطن الضغط على الحكومة من أجل تنظيم انتخابات حرة ونزيهة بحلول 2015.
بسبب
استمرار العنف الديني الذي يستهدف الأقليات العرقية مثل المسلمين, وجهت
منظمة "اللجنة الأمريكية لحرية الممارسة الدينية" النصيحة إلى الإدارة
الأمريكية بالحفاظ على وضع بورما باعتبارها "دولة مصدر قلق هام", بالنظر
إلى التجاوزات في الحريات الدينية والإنسانية، كما ينبغي على الولايات
المتحدة أن تكون على استعداد لإعادة فرض العقوبات الاقتصادية الخانقة على
البلاد في حال فشلت في تحسين تعاملها مع الأقليات.
في
النهاية, ينبغي على المجتمع الدولي ألا يختزل نظرته إلى بورما في ابتسامة
زعيمة المعارضة أونج سان سو كي, لكن علينا الاعتراف بالمعاملة السيئة
للغاية التي تعاني منها الأقليات العرقية والدينية في البلاد، وعلينا أيضاً
الالتفات إلى مسلمي الروهينجا الذين ذبحوا خلال شهري يوليو وأكتوبر
الماضيين, واغتصبت نسائهم.
------------
طالع.. المصدر
تعليقات