الانتخابات في باكستان.. هل تُحرك ساكنًا؟!


ترجمة: حسن شعيب 
بعد ما يقرب من خمسة عشر عامًا, أمضاها نواز شريف خارج السلطة بعد الإطاحة به عام 1999, ناهيك عن سجنه ونفيه، استطاع نواز شريف تحقيق انتصار حاسم في الانتخابات التشريعية التي أجريت في البلاد, يلزمه بتشكيل حكومة قادرة على تنفيذ إصلاحات ضرورية لإنقاذ البلاد من مشاكل عديدة وتحديات جمة.
في الأسبوع الماضي, توجه أكثر من 86 مليون باكستاني من مجموع السكان البالغ عددهم 180 مليونا، إلى صناديق الاقتراع في الانتخابات التشريعية, التي وصفت بالتاريخية لكونها يفترض أن تؤدي إلى أول انتقال للسلطة بين حكومتين مدنيتين, وهو ما لم يحصل منذ قيام دولة باكستان في عام 1947, حيث انتخب الباكستانيون أعضاء البرلمان الاتحادي والبرلمانات المحلية لأقاليم البلاد الأربعة.
وفي النتائج الأولية للانتخابات, تمكن (حزب الرابطة الإسلامية) جناح نواز شريف من الحصول على أكثر 120 مقعدا في معقلها في البنجاب الولاية الأكثر اكتظاظا بالسكان، يليها بفارق كبير حزب الشعب الباكستاني حيث حصل على 31 مقعدا, كما حصلت حركة الإنصاف بقيادة عمران خان  على 26 مقعدا.
تبدو الخريطة الانتخابية في باكستان كالآتي: يتكون مجلس النواب الباكستاني من 278 مقعدا، يحظى إقليم البنحاب بـ 148 منها، ويعتبر القاعدة الشعبية لحزب الرابطة الإسلامية بزعامة نواز شريف, ثم يأتي بعده في عدد المقاعد بـ 61 مقعد إقليم السند، وهو معقل حزب الشعب برئاسة نجل الرئيس آصف علي زرداري, كما يحظى إقليم خبير بختون بـ 35 مقعد, وهو معقل حزب عوامي البشتوني, أما إقليم بلوشستان فهو الأقل من حيث عدد المقاعد فقط 14 مقعد يتنافس الأحزاب البلوشية القومية.
من المؤكد أن هذه الانتخابات حازت على نصيب كبير من اهتمام الصحف العالمية, حيث أشارت واشنطن بوست الأمريكية إلى أن هذه الانتخابات، التي تعد بمثابة لحظة فارقة في تاريخ البلاد، حيث تنقل السلطة للمرة الأولى من حكومة مدنية منتخبة ديمقراطيا إلى أخرى مدنية، قد تكون سببا في صعود مجموعة من القادة المدنيين الأكثر قدرة على معالجة المشاكل الاقتصادية في البلاد والسيطرة على القوة المفرطة للمؤسسة العسكرية.
بيد أن الصحيفة الأمريكية استدركت قائلة إن هذه الانتخابات قد تؤثر بالسلب على العلاقات الأمريكية الباكستانية, والتي يبدو أنها ستشهد المزيد من التعقيد، لاسيما بعد فوز نواز شريف والذي يعد أكثر مرونة في التعامل مع حركة طالبان الباكستانية وأكثر صرامة في التعامل مع الولايات المتحدة، من الجيش الباكستاني أو الحكومة المدنية الحالية".
وذلك بالرغم أن واشنطن بوست كانت قد دعت الإدارة الأمريكية أن يصبح نواز شريف رئيسا للوزراء لينفذ وعوده بإنعاش اقتصاد البلاد، ومعالجة النقص الحاد في الطاقة الذي تسبب في شلل كافة أوجه الصناعة الباكستانية، فضلا عن بناء بنية تحتية جديدة، بما في ذلك وجود القطار السريع في جميع أنحاء البلاد.
وأضافت الصحيفة الأمريكية "إن ترسيخ قواعد الديمقراطية في باكستان من شأنه أن يصب في ميزان مصلحة الولايات المتحدة على المدى البعيد، لكنه في الوقت الراهن قد ينتج عنه بعض المشاكل على المدى القريب".
أما صحيفة الجارديان البريطانية فقد قالت "إن هناك فرصة هائلة متاحة في الوقت الراهن أمام رئيس وزراء باكستان الجديد نواز شريف بعد اكتساح حزبه الرابطة الإسلامية للانتخابات الأخيرة, مما سيمكنه من تشكيل وزارة منفردا دون حاجة للدخول في ائتلاف مع أحزاب أخرى، وإنما فقط إقناع أعضاء مستقلين بالانضمام لحزبه".
وأشارت الصحيفة البريطانية أن شريف كان محظوظا لفوزه للمرة الثالثة بالانتخابات البرلمانية، ولكن استفادته بهذا الحظ ستتوقف لحد كبير على ما إذا كان سيتمكن من تجنب الأخطاء التي ارتكبها في المرتين السابقتين, حيث يواجه تحديات أخرى منها أنه سيحتاج إلى التعاون مع الأحزاب الأخرى، وخصوصاً الصغيرة، لتنفيذ خططه وتدعيم سلطته، خصوصاً إذا أخذ في الاعتبار بقاء إقليم السند ومجلس الشيوخ (حتى عام 2015)، في يدي المعارضة.
كما أوضحت صحيفة الجارديان البريطانية أن التحدي الخاص الذي يواجه شريف هو علاقة بلاده المتوترة مع الولايات المتحدة، لا سيما بعد التصريح الذي أدلى به بعد فوزه في الانتخابات, حيث قال "إن برنامج الطائرات من دون طيار الذي تديره (سي. آي. إيه) في باكستان يعد تحدياً لسيادتها، فضلا عن اعتماده على الخطاب الشعبوي المناوئ للولايات المتحدة خلال حملاته الانتخابية.
من جانبها علقت صحيفة نيويورك تايمز قائلة "إن باكستان نجحت من خلال إجراء الانتخابات التشريعية في تحقيق التداول السلمي للسلطة في بلد سادت فيه الانقلابات العسكرية" مشيرة إلى أن وصول نسبة المشاركين في الانتخابات وصلت لأكثر من 60 بالمائة يؤكد الرفض الشعبي لوجود العسكر الذين حاولوا الانقلاب على الدولة, مما يجعل الشعب الباكستاني يستحق بذلك تقديرا رفيعا لشجاعته".
كما أوضحت الصحيفة الأمريكية أن من التحديات التي تواجه نواز الشريف , رئيس الوزراء الجديد هو إرساء أجواء السلام مع الهند وتعزيز التجارة معها, وهو الذي دشن فيه من الوهلة الأولى, بدعوة رئيس الوزراء الهندي مانموهان سنج لحضور حفل تتويجه كرئيس للوزراء كبداية ملهمة لاستعادة العلاقات بينهما، إلا أن المؤسسة العسكرية التي أطاحت بنواز شريف عام 1999 عائق خطير في طريق تفعيل حكم مدني.
بغض النظر عن التحديات الخارجية, يواجه نواز شريف داخليا ملفين كلاهما أخطر من الآخر, الأول كبح جماح الجيش وتقويض سيطرته على أمور البلاد والذي من المرجح أن يقوم شريف بإرجائه حتى تستقر الأوضاع, لكنه من المؤكد سيسعى فيها حثيثا لوضع نهاية لملف حركة طالبان حيث يجيد الحوار مع الحركات الجهادية, مما قد يساعد على وضع حد لتدهور الاقتصاد داخليا وانتشار أعمال العنف.
--------------- 
طالع.. المصدر

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

النوبة .. ملاذُ السكينة على ضفاف النيل

اليمين النمساوي يطالب بحظر الرموز الإسلامية وسياسيون أيرلنديون يحثون على استيعاب المسلمين.. الأقليات المسلمة في أسبوع

اكبر حديقة ازهار في العالم.. 45 مليون زهرة وسط الصحراء