أن تكون مسلمًا في "عاصمة الخطيئة"!
ترجمة: حسن شعيب
برغم
عدم مبالاة البعض أو حتى معاداتهم للدين الإسلامي, تظل صلاة الجمعة في
مسجد التوحيد بأصواتها المتناغمة والجملية وإثارة للمشاعر وإبهار من
التعبُّد والروحانية التي نادرًا ما تُرى في أي دين آخر لها تأثيرها
العميق, وهو المسجد الذي زرته, وربما ذلك بسبب تجمع 200 مسلم في مكان واحد
تفيض منهم المشاعر الإيمانية.
للوهلة
الأولى تشعر أن مسجد التوحيد قد لا يختلف كثيرًا عن أي مسجد في منطقة
جبلية في الصحراء في أي موقع من العالم الإسلامي، إلا أنَّ ما يميز
"التوحيد" أنه يبعد بضعة أميال في الاتجاه المعاكس عما يمكن أن يتخيله
المرء بأنه أسوأ مكان على وجه الأرض حتى لبعض المسلمين المتدينين ولا حتى
جهنم.
حيث
يقع مسجد التوحيد على مسافة 10 دقيقة بالسيارة عن مدينة لاس فيجاس
بوليفارد, التي تعرف بأنها عاصمة العالم بلا منازع في القمار، وشرب الخمور
وغيرها من جميع الملذات الدنيوية التي يتجاوز فيها حجم الخطيئة كل مقياس
بالنسبة للمسلمين أو لأي دين, حيث ترتفع فيها بشكل غير معقول في لاس فيجاس،
وهي بالنسبة للمسلمين أشياء لا تطاق.
برغم
ذلك, يوجد بشكل ملحوظ في هذه المنطقة أربعة مساجد؛ أحدثهم مسجد
التوحيد الذي أنشئ قبل عامين فحسب, وهو المسجد الوحيد الذي يدعو الجميع
لاكتشاف حياة المسلمين لاس فيجاس؛ حيث توجد أقلية إسلامية تُقَدَّر بنحو 10
آلاف شخص تلتزم بدينها في ظل هذه الظروف مما يصيبك بالدهشة.
من
نافلة القول, لا تعتبر الولايات المتحدة ككل أسهل مكان للمسلمين, برغم
أنَّ الأرقام تظهر تنامي تعداد المسلمين أكثر وتزايد إقبالهم على الإسلام؛
حيث بلغ عددهم في الولايات المتحدة من نحو 1.5 مليون إلى 2.6 مليون منذ
أحداث 11 سبتمبر2001 , بما يعني أنهم أصبحوا أكثر من اليهود, 203 مليون,
والذي يعتقد أن السبب فيه هي الهجرة واعتناق الأشخاص الجدد للدين الإسلامي.
وكما
يسمع الجميع, لا يزال الأمريكيون شديدي العصبية من الإسلام, أما في لاس
فيجاس، فلا يتصور أحد أن يكون السكان المحليين من الأمريكان يُعرف عنهم
التسامح والبساطة مع المسلمين بل ربما كانوا أكثر عداءً, ولا سيما عندما
يعلمون أن الإسلام يعارض كل شيء في لاس فيجاس ويحرمها.
أما
عن مؤسس مسجد التوحيد أحمد الله روكاي يوسف زاي، أو روكي كما يُطلق عليه
من قبل معظم غير المسلمين، فهو شخصية لطيفة وكاريزمية, يبلغ من العمر 45
عامًا, من أصول أفغانستانية, ولا تفارقه سماعة البلوتوث في أذنه ويركب
سيارة مرسيدس مكتوب على لوحة الأرقام عبارة "الله أكبر" لذا فقد يتمكن من
الفوز بأي جائزة كمهاجر مثالي, فقد قاتل يوسف زاي السوفييت مع المجاهدين
عندما كان شابًا يافعًا, وفي الوقت الحالي يعمل مترجمًا في المحكمة، كما
نشأ وربى أبناءه على الجد والوطنية وحب النجاح, وهو رمز للتدين والأخلاق
الحميدة في هذه المنطقة.
برغم
هذا لا زال يوسف زاي يمر بأوقات عصيبة منذ وصوله إلى الولايات المتحدة مع
والديه قبل 30 عامًا، فقد تم فصله من وظيفة مهندس في شركة الاتصالات
اللاسلكية بعد أسابيع من أحدا 11 سبتمبر, وعلى الرغم من تخرجه من الجامعة
فقد كان على استعداد أن يعمل كسائق سيارة أجرة، ولم يقبل أن يعمل في شركة
سياحة تعتمد على الاحتيال على السياح, حيث لا يمكنه تقبل ذلك من الناحية
الأخلاقية, كما رفض كثيرًا من الأعمال الموجودة في لاس فيجاس, والتي يحرمها
الإسلام.
في
وقت لاحق استطاع أن ينجح في تأجير العقارات, لكنه حتى اليوم، بعد أن
مواطنًا أمريكيًا ناجحًا ومحترمًا في المجتمع, لا يزال يعاني من تكرار
زيارات مكتب التحقيقات الفدرالية له لتقصي ما يدور في المسجد وما إذا كان
يعتقد أن أيا من جموع المصلين، الذين من بينهم الأطباء وسائقو سيارات
الأجرة، والصوماليون والباكستانيون، قد يكونون عازمين على تفجير أقرب
ماخور.
يقول يوسف زاي " أقول دوما لرجال FBI أنه
إذا كان هناك من ينوي ذلك, فسأبلغكم, بنفسي، ولكنها لا يفتئوا يعودون من
جديد", مضيفًا "نحن نحاول تكوين صورة أفضل عن الإسلام ولن نؤوي أو ندعم أي
شخص يفكر حتى في ذلك".
من
الواضح أن يوسف زاي والمسلمين في لاس فيجاس يعيشون في هذه المدينة
كالقابضين على الجمر, حيث يحاولون كسب رزقهم بالحلال, في ظل إمكانية الحصول
على الأموال الوفيرة بسهولة من أعمال عالم لاس فيجاس المحرمة إسلاميًا,
حيث توجد مغريات كثيرة بداية من انخفاض الضرائب ورخص العيش.
صحيح
أن المسلمين في المنطقة يعيشون في هذه الحالة إلا أنهم, كما يقول يوسف زاي
يتعرضون للانتقادات من بعض المسلمين بسبب حياتهم في هذا المكان ويسيئون
الظن فيهم لكنهم رغم ذلك متمسكون بدينهم.
أخبرني
أحد المسلمين قائلا "يعتقد الناس أنه من الجنون أن تنتقل للعيش في لاس
فيجاس, عندما بدأت عملي كانت هناك أفكار شائعة مغلوطة تنتاب البعض من غير
المسلمين عن المسلمين بأننا جميعًا إرهابيون أو أننا جميعا أثرياء. لكن
عندما يتعرفون إلينا عن كثب نحظى باحترامهم, أعتقد أن الكثير من السكان
المحليين هنا يحبون هذه المدينة".
---------------
طالع.. المصدر
تعليقات