"المرأة الحديدية".. بقاء رغم الرحيل!
ترجمة: حسن شعيب
طالع.. المصدر
في
مسيرتي الصحفية كان الحدث الأبرز والأقوى سياسيًا الذي قمت بتغطيته في عام
1990, عندما انقلب حزب المحافظين على مارجريت تاتشر, وكان السياسيون
المحافظون, الذين يحاولون الإطاحة بها عن زعامة الحزب ورئاسة الوزراء, على
علم بأنهم يسقطون شخصًا متفوقًا على المستوى السياسي والأخلاقي, كما عرفوا
أنها كسبت حق مواجهة البريطانيين في الانتخابات لآخر مرة، بدلاً من أن يتم
تنحيتها من قبل المفترض بهم أنهم نوابها ومساعدوها في الحزب.
بيد
أنَّ تاتشر كانت قد استنفدت البلاد؛ حيث استطاعت العمل من خلال جميع
الوزراء المحتملين في جانبها, كما أعاقت طموحات العديد من الآخرين؛ حيث
اعتقد زملاؤها أنها مناهضة كذلك لإقامة مشروع الاتحاد الأوروبي, بينما كانت
أرقام استطلاعات الرأي تشير إلى هبوط أسهمها, لذلك شعروا بأنَّ عليهم أن
يتحركوا للقيام بشيء ما, وبعد سلسلة من الاجتماعات شديدة الحرارة
والمناورات أثناء غيابها، قام أعضاء حزبها بإسقاطها.
عندما
عادت من باريس كانت قد تعرَّضت للخيانة التي بدت حول عينيها, لكنها كان
ينبغي عليها أن تظل متماسكة للردّ على فترة الأسئلة في مجلس العموم,
والتحدث باسم حكومة لم تعد ترأسها, واستطاعت بالفعل السيطرة على قاعة
المجلس, مما نظر إليه على أنَّه نصر كبير لها؛ حيث سحقت معارضيها، وارتفعت
بشكل مهيب فوق بؤسها الخاص؛ حيث أعربت عن بهجتها قائلة "لقد استمتعت بهذا",
وصرخ أحد أنصارها المتبقين "أنت تستطيعين مسح الأرض بهؤلاء".
بعد
وقت قصير, التقيتُ بها في أحد المؤتمرات، وسألتها حول ما الذي كان يدور
بذهنها عندما دخلت مجلس العموم في هذه الجلسة المظفرة بالنصر بالنسبة لها,
لكنني تلقيت جوابًا مخيبًا للآمال للغاية, حيث قالت: "إنها كانت تفكر في
كلمات الشكر التي ينبغي عليها كتابتها هذا المساء وغيرها من التفاصيل
الدنيوية اليومية.
عادة
ما يكون الأشخاص الذين يصنعون التاريخ غير هؤلاء الذين لديهم القدرة على
استقرائه, وقد كانت مارجريت تاتشر من هذه الشخصيات التاريخية العالمية
لأسباب بديهية, حيث إن التاريخ, قبل تاتشر, كان على وشك أن يسير في اتجاه
الديمقراطية الاجتماعية السويدية, لكنه بعد تاتشر، اختلف تمامًا لم يعد
الأمر كذلك, كما كان تأثيرها الأكبر كان على مستوى القيم.
لقد
تشكلت شخصية تاتشر من خلال اشمئزازها من بريطانيا في السبعينيات, حيث
شاهدت تحولاً أخلاقيًا في تلك السنوات تميز بالابتعاد عن التنافسية والطموح
وحب الذات, وبعدية عن الأخلاق والاستقامة وجنوح نحو ثقافة النرجسية, خاصة
في المراكز الهامة المرموقة في المجتمع, كما كان الناس غير مهتمين
بالتكنولوجيا ومزدرين التجارة.
أما
على صعيد المجال السياسي فقد ترجم هذا إلى نفور من الصراع والخلاف ورغبة
يائسة في الإجماع والتوافق، الأمر الذي كثيرًا ما كان يترجم إلى انجراف في
السياسات واستسلام تدريجي للمصالح القديمة الثابتة, لكن تاتشر رأت هذا
الأمر بمثابة فقدان للقوة الوطنية؛ ونظرت إليه على أنه فقدان للإرادة, من
خلال التسوية والقبول بالنتائج المتوسطة، وخيانة لتاريخ بريطانيا العظيم
وقبولاً بالتقهقر.
لقد
استطاعت ابنة بقال صغير أن تكون صوت طموحات الطبقة المتوسطة, وناصرت القيم
والأخلاق, والاستقامة والاكتفاء الذاتي والفاعلية وأصحاب العقلية
المستقلة, وإذا كان أسلافها من رؤساء الوزراء وقفوا من أجل الإجماع
والتفاوض الطويل جدًا على المصالح, فإنَّ تاتشر رمزت للقناعة القوية باسم
المصلحة الوطنية, وحيث إنَّها كانت من المعجبين بالسوق الحرة، فقد كان
هدفها المستمر هو استعادة سلطة الدولة، وقد كانت على استعداد لمركزة السلطة
من أجل ذلك.
وفي
الوقت الذي كان فيه الآخرون ينزلقون نحو الأخلاقية النسبية, فقد وقفت
تاتشر ورمزت إلى المسئولية الأخلاقية والمعنوية والنفسية في كثير من
الأحيان, وعندما نضع عيوبها الشخصية جانبًا, كانت قراراتها السياسية جزء
من التحول الأخلاقي.
واليوم،
باتت القيم البرجوازية، مثل الصناعة والتنافسية والطموح والمسؤولية
الشخصية، من جديد تحظى بالإعجاب على نطاق واسع من قبل أشخاص من كل الألوان
السياسية, كما أصبحت التكنولوجيا مركز لعالمنا, وممن أعجب كثيرًا بسياساتها
توني بلير وبيل كلينتون كما تأثر بها الملايين حول العالم مما تجاوز
الإعجاب الفردي.
--------------- طالع.. المصدر
تعليقات