انتحار الجنود.. وباء يعصف بأمريكا!
ترجمة: حسن شعيب
أصبحنا
قادةً للقوات بعد أن تدرَّجنا في الرُّتَب العسكرية في صفوف الجيش
الأمريكي, وقد تعلَّمنا أنَّ رعاية الجنود هي من المسئوليات الأساسية
تتحمّلها القيادة العسكرية, كما عرفنا أنَّ القوات هي أوراق اعتمادنا, لذا
حاولنا خَلْق وإيجاد بيئةٍ ودّيةٍ أفضل مناسبة ما أمكن ذلك, هذا يعنِي
التعرُّف على الجنود وأُسَرهم, سواء كانوا يعيشون في المعسكر أو خارجَه,
وهو جزءٌ لا يتجزأ من مهام وواجبات القيادة.
المصدر بالعربية
عندما
نفْقِد أحد الجنود, لأيِّ سببٍ كان, كانت القلوب تنفطر حزنًا عليه, إلا
أنَّ هذا الحزن يصبح أكثر سوءًا وعمقًا حينمَا يقضي أحد الجنود نحبه
منتحرًا, فقد أصبحت ظاهرة الانتحار تمثِّل تحديًا خطيرًا أمام الجيش
الأمريكي منذ فترة طويلة, وتزداد المشكلة تأزمًا بشدة, حيث ارتفعت حالات
الانتحار في منتصف العقد الأول من الألفية الثالثة, واستقرّ لفترة وجيزة في
عامي 2010 , 2011, لكنَّه عاد للارتفاع في العام الحالي ليصل إلى مستوى
قياسي.
في
الواقع, لقد أضْحَت ظاهرة انتحار الجنود الأمريكيين وباءً؛ حيث أزهق
الكثير من الجنود من البحارة والطيارين ومشاة البحرية أرواحهم بأنفسهم
بأعدادٍ تزيد عمَّن يلقون حتفهم في المعارك, للدرجة التي جعلت الانتحار
السبب الأول في وفيات الجنود في القوات الأمريكية, حيث يقدَّر أكثر من ثلثي
حالات الانتحار بالأسلحة النارية المشاركة في القتال، وأنَّ قرابة ثلاثة
أرباع هذه الحالات تجري بأسلحةٍ شخصيةٍ وليست عسكرية.
لذا
فقد أصبح هذا الوباء من أعلى أولويات الجيش الأمريكي, وفي هذا الصدد يبدو
أنَّ أحد الأشياء التي تَعَلَّمْنها خلال عملنا العسكري هو أنَّ الإجهاد،
والسلاح، والكحول يشكلون مزيجًا خطيرًا, وفي الظروف السيئة, يَمِيل الجنود
للابتعاد عن تحكيم العقل والقيام بأعمال منافية للعقلانية, فيحتاج القادة
من الضباط وضباط الصفّ الوسائل والأدوات التي تمنع هذا المزيج من التحوُّل
إلى خطر داهم وقاتل.
إنَّ
أحد أهم التدابير الأكثر فعالية لمنع الانتحار, هو سؤال هؤلاء الجنود
الذين يقعون تحت ضغوط شديدة "هل لديك سلاح في بيتك" فإذا كانت الإجابة
بـ"نعم" فعلينا وضع أقفال على الأماكن التي توجد فيها هذه الأسلحة أو ننصحه
بتخزينها في أماكن آمنة, خلال الفترات التي يعانِي فيها من الضغوط.
لسوء
الحظّ, لم يعد العمل من أجل إنقاذ حياة الجنود متاحًا في القوات
الأمريكية, حيث صدر قانون غير مألوفٍ من تفويض الدفاع الوطني يحظر على
القادة وضباط الصفّ الحديثَ مع الجنود عن أسلحتهم الخاصة, حتَّى في الحالات
التي يكون فيها الضابط أو القائد العسكري يعتقد أنَّ أحد أعضاء الخدمة من
الجنود قد يُقْبِل على الانتحار, وهذا الحظر يتعارض بقوَّة مع التزام كل
قائد عسكري لضمان صحَّة الفرد ورفاهيته، ورفع الروح المعنوية.
في
هذه الآونة هناك تحرُّكات لإزالة هذه لقيود المفروضة, حيث يوجد تعديل يسمح
بهذه المحادثات الهامة أن تحدث, لكن مجلس الشيوخ مرَّر هذه النسخة من
التعديل دون معالجتها, ونحن، جنبًا إلى جنب, ضباطًا متقاعدين وعاملين وكبار
ضباط الصفّ ودعاة الوقاية من الانتحار، نطالب مجلسي النواب والشيوخ برفع
هذه القيود والعوائق.
نتَّفق
مع أعضاء الكونجرس الذين وصفوا حالات الانتحار العسكري أنَّها مأساة
وطنية, والتي ينبغي علي الكونجرس، وجميع فروع وزارة الدفاع والمنظمات
الأخرى العمل معًا لحلِّها, نقدِّم لهؤلاء الشكر ونأمل أن يُظْهِر الآخرون
نفسَ الدعم.
صحيحٌ
أنَّ الأمريكيين يبذلون جهودًا كبيرة وينفقون مبالغ طائلة لإنقاذ حياة
قواتنا في معارك القتال, وذلك من خلال توفير الدروع وتصفيح المدرعات وتزويد
الجنود بنظارات للرؤية الليلية وتدريبهم على أفضل التكنولوجيا, لكنَّه ليس
من المنطق ولا معنَى لإنفاق مليارات لإنقاذ الأرواح في ميادين الحروب,
وتركها مُعَرَّضة للانتحار في أماكن أخرى, وخصوصًا عندما يمكن تخفيض هذه
التهديدات مع القليل من الجهد.
في
نهاية المطاف, سواء كان التهديد بالهلاك والموت, يأتِي من نيران العدو، أو
نيران صديقة أو بأيدي الجنود أنفسهم, فينبغي علينا كواجبٍ أخلاقيٍّ حماية
أولئك الذين يخدمون في القوات الأمريكية, ولا سيما "هؤلاء الرجال والنساء
الذين يضعون أنفسهم تحت قيادتنا ورعايتنا, من خلال ثِقَتِهم بنا, لذا ينبغي
علينا ألا نَخْذُلهم".
*دينيس رايمر: رئيس أركان القوات الأمريكية من 1995 – 1999 (متقاعد).
*بيتر تشارلي: نائب رئيس أركان القوات الأمريكية من 2008- 2012 (متقاعد).
|المصدر: واشنطن بوست الأمريكية
المصدر بالعربية
تعليقات