مرسي إذ يغير موازين القوى
ترجمة: حسن شعيب
بينما
تُسيطر الحرب الأهلية الدائرة في سوريا على الاهتمام العالمي- جاءت
الأحداث الأقل إثارةً في مصر لكي تقرر ما إذا كانت الثورات الشعبية ستنجح
في إرساء بديل ديمقراطي للطغيان في العالم العربي؛ حيث حدث في القاهرة شيء
بهذه الضخامة الهائلة- للدرجة التي لا تقل عن أهمية الإطاحة بمبارك في
فبراير العام الماضي- فالنظام قُطعت رأسُه، لكنه استمر في شكل المجلس
العسكري الذي تولى الحكم في المرحلة الانتقالية؛ حيث أُطيح برءوس ذلك
النظام الذي هيمن على مصر لعقود، وعلى ما يبدو بإذعانٍ منه.
لم
يبد مرسي يتخلص من حسين طنطاوي، رئيس المجلس العسكري ووزير الدفاع فحسب،
ولكنه تخلص من المشير العجوز، الذي كان أساسًا في عهد مبارك، واستبدل به
أصغر عضوٍ في المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وبهذا استطاع أنْ يُغير ميزان
القوى.
ليس
هذا فحسب؛ فقد أطاح مرسي أيضًا بالرجل الذي كان من المتوقع أنْ يخلف
طنطاوي وهو رئيس الأركان, سامي عنان, وكذلك قادة قيادات القوات المسلحة
الآخرين, وبالتالي فإنَّ الفريق أول عبد الفتاح السيسي, مدير المخابرات
الحربية, الذي حلَّ محل طنطاوي سيكون مسئولًا أمام مرسي نفسه وليس المجلس
الأعلى للقوات المسلحة, كما ألغى مرسي الإعلان الدستوري المكمل، الذي وضعه
المجلس العسكري في اليوم الثاني من الانتخابات الرئاسية في يونيو الماضي،
وهو ما منح الجيش حق الاعتراض على الدستور الجديد الذي في طور الإعداد.
بعد
هذه القرارات, سرعان ما اتهم اليساريون والليبراليون الرئيسَ "الإخواني"
بالاستحواذ على الكثير من السلطة, بعد أنْ كانوا يتهمونه بالضعف السياسي
ومهادنة العسكر, وهذا قد يكون صحيحًا؛ لأنَّه بتوليه السلطة- التي كانت لدى
المجلس العسكري- في تعيين جمعية تأسيسية جديدة إذا فشلت الجمعية الحالية
في الاتفاق على كتابة الدستور يكون لدى الرئيس المصري الآن صلاحيات الرئيس
الروسي.
بَيْدَ أنَّه ليس مثل فلاديمير بوتين لأمرين:
أولا:
لأنَّ السلطات التي تحصَّل عليها مرسي مقيدة زمنيًّا؛ فالدستور معظمه
مدوَّن، ومن المفترض أنْ ينتهي في أوائل سبتمبر, وسيطرح للاستفتاء، وفي
غضون شهرين سيكون هناك انتخابات برلمانية جديدة, وسلطات مرسي الواسعة كرئيس
لن تدوم سوى ثلاثة أشهر على أقصى تقدير قبل أنْ يضع تصرفاته على محك
التصويت الشعبي.
ثانيا:
لضمان أنَّ التصويت شعبي فعلًا عيَّن مرسي شقيقين- وهما قاضيان موقران لا
ينتميان لجماعة الإخوان المسلمين- محمود مكي، نائبًا للرئيس، وأحمد مكي
وزيرًا للعدل.
ويمثل
الأخوان مكي جزءًا من حركة الإصلاح داخل السلطة القضائية، التي يرتكز جدول
أعمالها على إبطال سلطات الذراع الثانية لدولة مبارك البوليسية أَلَا وهي
المحكمة الدستورية المعينة سياسيًّا.
وكلا الرجلين كانا جزءًا مما يعرف بثورة القضاة بعد انتخابات مبارك المزورة عام 2005م.
بطبيعة
الحال يمكن تفسير الأمور بشكل أكثر قتامة على تصرفات مرسي وإجراءاته؛ فإذا
لم تستطع الجمعية التأسيسية الاتفاق على مُسَوَّدة دستور فإنَّ من سلطة
مرسي تعيين واحدة جديدة، ويمكن أنْ يستمر أيضًا في الحكم بموجب مرسوم
رئاسي, وبعض المحللين متشائمون مما يَشْتَمُّونَه من رائحة الإخوان في
الاستحقاق الانتخابي.
وهذا،
هو الذي قد يوجد بالفعل تحت المظهر الديمقراطي لهذه الإعلانات، لكنَّ
المشككين يجب أنْ يسألوا أنفسهم عن البديل؛ نظرًا لأنَّ دور المرحلة
الانتقالية هو إقامة نظام مدني جديد مع عودة الجيش إلى ثكناته.
وباختصار،
بعد أنْ أصدر المجلس العسكري قراره الدستوري في يونيو التقى تحالفٌ واسع
من المعارضة في القاهرة، وأصدروا إعلانًا يعد بإلغاء خطوة المجلس العسكري،
ومرسي ينفذ هذا الآن.
إنَّ
اختبار السلطة التي بِيَدِ مرسي الآن سيكون قدرته على تقاسمها مع جمهور
الناخبين الآخرين المتشككين في الإخوان-الأقباط والعلمانيين والليبراليين
واليساريين-، وإقامة الحكومة الفاعلة، التي الدولة في أمَسِّ الحاجة إليها.
وفي الوقت الراهن ينبغي افتراض حسن نية مرسي حتى يثبت العكس.
---------------------
طالع .. المصدر
تعليقات