"الجنرالات".. حينما يُحكمون قبضتهم!
ترجمة: حسن شعيب
غريبٌ
أمر هؤلاء الذين تفاجئوا مما يقوم به المجلس الأعلى للقوات المسلحة
المصريَّة في الوقت الراهن, لا سيما بعدما عزّزوا من سيادتهم السياسيّة على
حساب الأحزاب والمنظمات المدنيّة التي دعمت ما يطلق عليها "ثورة 25 يناير
2011", وذلك لأنه لم يتغير شيء تقريبًا بعد عام ونصف ولم تكتملْ منجزات هذه
الثورة.
نعم
أُجبر حسني مبارك على التنحي والتنازل عن السلطة, وأُلقي القبض عليه في
وقتٍ لاحق مع أبنائه وغيرهم من مسئولي نظامه الآخرين, إلا أن هذا بدا بوضوح
وكأنه تراجع تكتيكي من المجلس العسكري من أجل الحفاظ على حصصه السياسيَّة
والاقتصاديَّة في النظام.
فتش عن "العسكر"
برغم
التقارير الأخيرة التي تفيد أن مبارك على حافة الموت, لكن مصيره قد لا
يكون بتلك الأهمية بالنسبة لمستقبل مصر, حيث أن الاختبار الحقيقي لنجاح
الثورات العربيَّة كان دومًا في القدرة على استبدال أدوات القمع للنظام
القديم, تحديدًا الجيش وقوات الأمن, بنظام قضائي بمؤسسات دولة ذات
مسئوليّة.
وفي
الوقت الذي كانت تدور خلالها أحاديث كثيرة حول بزوغ فجر عربي ديمقراطي,
فضلا عن وجود توجه بين العديد الذين يثقون بشكل كبير في الديمقراطيّة
الأصيلة لدى الشعوب, قام المجلس العسكري بصبّ دلو من الماء البارد على هذا
التفاؤل.
ليس
ثمة شك أن ما قام به العسكر في مصر بحلّ البرلمان الذي يقوده الإسلاميون
وإصدار تشريع دستوري مكمل يخوله الكثير من الصلاحيات والاستمرار في فرض
الأحكام العرفيّة تعتبر انقلابًا عسكريًا مقنعًا, خاصة بعد فوز محمد مرسي,
مرشح الإخوان المسلمين في الانتخابات الرئاسيّة.
ووفقا
للتقارير الصحفيّة, فإن جنرالات الجيش المصري سيسمون رئيس هيئة الأركان
المشتركة للرئيس في المستقبل, الأكثر من ذلك –حسب الإعلان الدستوري
المكمّل- فالرئيس ليس لديه أي صلاحية للإشراف على القوات المسلَّحة ووزير
الدفاع, وبذلك نال الجنرالات بالأوامر الصلاحيات الواسعة التي سعوا للحصول
عليها خلال السنة الماضية دون جدوى.
نموذج سوري مختلف
أما
في سوريا, شاهدنا متانة ووحشيّة مؤسّسات القمع, ولو من زاوية مختلفة
للغاية عما في مصر, فالجيش النظامي السوري وقوات الأمن, تعمل للحفاظ على
حكم عائلة الأسد, والزمرة الصغيرة نسبيًا حولهم الذين ينتمي معظمهم للطائفة
العلويّة, وتعتمد هذه السلطة بشكل واسع على القيود الرسميَّة الضخمة التي
حوّلت الحكم المدني (فضلا عن القيادة السياسيّة العليا) إلى وهم.
في
خضم حديثي, قبل سنوات مضت, مع مسئول سوري ذي نفوذ, رن جرس هاتفه, وكان
واضحًا من أسلوب كلامه أن الشخص الذي يتحدّث معه على الجانب الآخر من
الضباط, وخلال هذه المكالمة بدت السيادة المطلقة التي يتمتع بها الرجال
المسلحون بشكل لم أرَ مثيلا له من قبل, حيث رأيت هذا المسئول البارز يتحدث
معه واقفًا وأسلوبه مختلف ومنزعج.
من
المفارقة أن سوريا قد يكون لديها فرصة أفضل لتجديد جيشها بمجرد رحيل الأسد
عن منصبه أكثر مما هو متاح في مصر, حيث أنه من المحال أن تتصوّر قوات
الأسد المسلّحة والأجهزة الأمنيّة في ظلّ هذه المذابح التي ارتُكبت, وبعد
كل هذه الدماء التي أراقوها, أنفسهم مشاركين بصورة أو بأخرى في النظام
الجديد من خلال تدبير أو تحوّل سياسي, كما أن جوهر أي مؤسّسة عسكريّة قادمة
في سوريا سيعتمد بالأساس على عناصر مختلفة من الجيش السوري الحر.
خداع عسكري
يبدو
أن هناك مخاطر واضحة في مثل هذا الواقع, كما أظهرت التجربة الليبيّة عندما
انتهى الصراع بسقوط الديكتاتور, أصبح من الصعب على السلطات المدنيّة أن
تفرض سيطرتها على الجهات العسكريّة, وفي حين أن القوى العسكريّة للأسد
منقسمة, مما يعني أن قوى الطرد المركزي في المجتمع السوري قد تحدّد مرحلة
ما بعد الحرب إذا ما ظلّ الوضع قائمًا هكذا, لكن الجانب الأكثر إضاءة في
سوريا هو القطيعة التامة مع الماضي خلافًا لما حدث في مصر.
حتى
الدول الغربيّة مستمرة في جدلها العقيم حول ما ينبغي فعله في سوريا, ويبدو
أنهم لا يقدرون مطلقًا أن الانتقال السياسي, لكي يكون ديمقراطيًا
ومتسامحًا لابد من البدء فيه الآن, لأن أي تأخر في إطلاق تلك العمليّة سوف
يكون أمرًا مدمرًا, إذا ما كنا نسعى أن تتمتع سوريا بالتعدديّة في مرحلة ما
بعد الأسد واحترام الحكم المدني وإصلاح الجيش والمخابرات.
بشكلٍ
عام, تظلّ الأوضاع في مصر تقدم رواية تحذيريّة, فبعد أن طغت الرغبة عند
الكثير من المراقبين لمشاهدة التغيير في القاهرة, فضلا عن الجماهير
الغفيرة, لكنهم لم يدركوا أنهم تعرّضوا لمشاهدة خدعة صمّمها المجلس
العسكري, ووهم حرص عليه من أجل تكريس ما كان موجودًا في السابق, لذلك قبل
أن تراقبوا الأموال راقبوا كذلك العسكر قبل أن تتوقعوا الكثير من الربيع
العربي.
--------------------
طالع.. المصدر
تعليقات