من "جنيف للقاهرة".. الدبلوماسية المتواطئة!
ترجمة: حسن شعيب
ليس
ثَمَّة شك أن النتائج التي تمخَّض عنها مؤتمرَا "جنيف– القاهرة" لمناقشة
الأزمة السورية وإيجاد الحلول المناسبة, لم تُجْدِ نفعًا للشعب السوري
المثخن بالآلام، بل ربَّما عمَّقت من جراحه وانقساماته, حيث جعلت الأسد
وسدنته, الذي ظلّ طيلة عام ونصف يذبح شعبه, طرفًا يمكن التفاوض معه والوصول
إلى حلول, فكيف الحوار مع من لُوِّثت يده بدماء السوريين.
نفاقٌ غربي
صحيحٌ
أنَّ مؤتمر القاهرة للمعارضة السورية قد يكون نال استحسان البعض وأشادوا
بنتائجه لكنه لم يبدأ بشكلٍ صحيحٍ لذلك لم يكن على المستوى المنشود, لما
اعترَاه من انقسامات وانسحابات متكررة, ومقاطعةٍ من قبل الجيش الحرّ ووصفه
بالمؤامرة قبل الخوض فيه, إلا أنَّ مؤتمر جنيف كان وصمةَ عارٍ للدبلوماسية
الدولية, ناهيك عن تعريته للنفاق الغربِي وكشفه مدَى عدم مبالاتهم إزاء
حمامات الدم التي تُراق في سوريا.
ليس
هذا فحسب, بل إنَّ نتائج مؤتمر جنيف, الذي طالب بتطبيق خطة كوفي عنان لوقف
إطلاق النار وتشكيل حكومة وحدة وطنية يمكن لأعضاء في الحكومة الحالية
المشاركة فيها, اعتبر متواطئة مع الأسد, حيث دفعته للاستمرار في ارتكاب
مزيدٍ من المجازر بعدما اطمأن لنفاق الغرب ومؤتمراته التي لا تغنِي ولا
تشفع, حتى تمنَّى الشعب السوري ألا يجتمعوا ثانية.
غريب
أمر هؤلاء الذين اجتمعوا في "جنيف" فقد اتّفقوا على مرحلة انتقالية سورية
قبل الاتفاق على كيفية التخلص من الأسد, وكيف يعقل هذا أن يفكر الشعب
السوري في المرحلة التي تأتِي بعد الأسد ونظامه ولم يتخلصوا بعد منه, فلا
يمكن الحديث عن أي مراحل انتقالية قبل إسقاط هذه العصابة التي عاثت في
الأرض السورية فسادًا وتقتيلاً واغتصابًا وترويعًا.
مهزلة "جنيف"
وفي
هذا الصدد, قالت صحيفة "كريستيان ساينس مونيتور" الأمريكية: "إن مؤتمر
جنيف لم يأتِ بالكثير لانتشال سوريا من حَمَّام الدم الذي تغرق فيه منذ
العام الماضي", مشيرة إلى "أنَّ المدى الطويل لتطبيق خطة عنان, التي قد
تحتاج لعام, ستساهم في سقوط مزيد من القتلى في صفوف السوريين، خاصةً وأنَّ
الخطة لا تتضمن أي حوافز لتشجيع الأطراف المتقاتلة في سوريا على التزام
الهدوء".
وأضافت
الصحيفة الأمريكية أنَّ القوى الكبرى التي اجتمعت في جنيف، فضّلت الخروج
من اجتماعهم بنتائج هزيلة على إعلان فشل المؤتمر بالكامل في حلّ الخلاف
بشأن الأزمة السورية التي يحذّر الكثير من الخبراء بأنَّها قابلة لأن تتحول
إلى حرب إقليمية", موضحةً "أنَّ الأصوات تعالت منذ بداية اندلاع الثورة
السورية بالتحذير من الربيع السوري؛ لأنها محاطة بدول ذات مصالح متضاربة
كالعراق وتركيا ولبنان ناهيك عن إسرائيل، الأمر الذي يعني أن الحرب فيها قد
تجرّ أطرافًا دولية مثل حلف الناتو والولايات المتحدة وروسيا وإيران".
وفي
حين أنَّ الغالبية العظمى من المعارضة السورية اتفقت على فشل مؤتمر "جنيف"
بكل ما تعنيه الكلمة من معنى, الذي حاول إنقاذ عصابة الأسد أو على الأقل
خروجه بالحد الأدنى من الخسائر بل والدخول في حوار معه وتشكيل حكومة
مشتركة, تباينت الآراء حول مؤتمر القاهرة ونتائجه, فبينما اعترض عبد الباسط
سيدا, رئيس المجلس الوطني السوري, على جنيف فقد قال: "إنَّ اجتماع القاهرة
هو الردّ الأفضل على مؤتمر جنيف", واصفًا الوثيقة المطروحة في المؤتمر على
أنَّها آلية عمل تمهّد لبناء دستور جديد.
فشل الحلول السياسية
وفي
الوقت الذي لم يبد فيه برهان غليون, الرئيس السابق للمجلس الوطني السوري,
ارتياحًا أو استياء على مؤتمر "القاهرة", لكنَّه اكتفى بالتأكيد على "أنَّ
ما ينتظره الشعب السوري من المجتمع الدولي هو تأكيد حقه في الدفاع عن نفسه,
وتأمين وسائل للجيش السوري الحر، ليتمكن من الدفاع عن نفسه وتوفير
الأسلحة الضرورية لكسر شوكة النظام السوري". فقد وصف غليون ما حصل في جنيف
بالمهزلة.
أما
صحيفة "الجارديان" البريطانية فقد نقلت ردود أفعال الثوار السوريين الذين
استهجنوا نتائج مؤتمر "جنيف" بشدة, قائلين: "إنَّ العالم يتقاسم الكعكة في
جنيف بينما تموت طفلة لا يتجاوز عمرها 7 سنوات على أيدي بشار الأسد", كما
أعلنوا رفضهم التامّ لخروج القوى العالمية عقب كل مؤتمر لدعوة قوى المعارضة
السورية للمصالحة والوحدة.
أنفاقٌ مظلمة
حتى
هذه اللحظة التي تجاوز فيها أعداد الشهداء السوريين 15 ألف شخص, ما زالت
سوريا تخرج من نفق إلى آخر, فبعد نفق الصمت الدولي المظلم الذي دام طويلاً
على مجازر الأسد, دخلت الأزمة السورية نفقًا مظلمًا آخر, مؤتمر "جنيف" الذي
فشل بطبيعة الحال بدبلوماسية المؤتمرات إلى وصول لحلول فعلية للأزمة
السورية, دخولاً في نفق الانقسام وتفرق المعارضة السورية الذي دعا مؤتمر
القاهرة إلى نبذه, إلا أنَّ الدماء السورية لا زالت تراق وتنزف.
عندما
نصف مؤتمري"جنيف- القاهرة" بالدبلوماسية المتواطئة فهذا لأنَّهما باءَا
بالفشل في التوصل إلى حل للأزمة السورية وطاشت معهم كل المبادرات
والأطروحات العربية والإقليمية التي لم تأتِ بجديد, حتى مؤتمر "القاهرة"
الذي عقد تحت رعاية الجامعة العربية لتوحيد المعارضة السورية, وحضره 250
شخصية معارضة سورية تمثّل مختلف طوائف المعارضة وتياراتها وأحزابها, والذي
يعتبر خطوة نوعية نحو معارضة موحدة, لكنه لا يزال محفوفًا بالكثير من
المخاطر.
ربَّما
كان مؤتمر "القاهرة" ضحية للآثار الذهنية لمؤتمر جنيف لذلك كانت بدايته
ضعيفة, وإن كان ما انتهَى إليه من "وثيقة العهد الوطني" جيدًا, وذلك بعد ما
وصفت "الهيئة العامة للثورة السورية" المؤتمر بأنه "امتداد لجنيف", كما
قاطع "الجيش السوري الحر" واصفًا إياه بالمؤامرة رافضًا الجلوس مع فصائل
المعارضة التي صنعها النظام السوري, وبذلك يتعمّق الانقسام بين المجلس
الوطني السوري الذي حضر المؤتمر وبين الهيئة العامة للثورة السورية.
بعد
كل هذه الدماء التي أريقت والجراح التي أثْخنت الشعب السوري, صارت الحلول
الدبلوماسية والسياسية أبعد ما تكون, بل إنها تعتبر تواطئًا إن غضّت الطرف
عن تضحيات السوريين الذين لا يريدون سوى التأكيد على حقهم في الدفاع عن
أنفسهم, وتأمين وسائل للجيش السوري الحر، ليتمكن من الدفاع عن نفسه وتوفير
الأسلحة الضرورية لكسر شوكة النظام السوري.
-----------------
تعليقات