معًا ضد "العسكري"
ترجمة: حسن شعيب
عقب
انتهاء الانتخابات الرئاسيَّة, بات المصريون ليلتهم بعد ما ظنوا أنهم
اختاروا رئيسًا يتمتع بسلطات تنفيذيَّة كاملة واستيقظوا في الصباح على
ديكتاتوريّة عسكريّة؛ فبعد أن أسدل الستار على الاقتراع في الانتخابات
الرئاسيّة, فوجئ المصريون بأن الجنرالات العسكريين منحوا أنفسهم صلاحيات
واسعة في الإعلان الدستوري المكمِّل للانقلاب الذي بدأ بحلّ البرلمان
المنتخب.
إذا
ما مضَى الجنرالات في طريقهم, بفرض أن الرئيس الجديد غير قادر على التشريع
ووضع الموازنة, أو إعلان الحرب وتغيير عضويّة أي من أعضاء المجلس العسكري
يملك كل هذه الصلاحيات, وقاموا كذلك بتعيين أعضاء لجنة كتابة الدستور
الجديد, فإنَّ الرئيس الجديد سيكون قادرًا على تشكيل حكومة والموافقة على
القوانين والتي تتعلّق بمجال السياسة فحسب, أمَّا الدفاع أو الأمن القومي
أو إمبراطوريّة الجيش الاقتصاديّة الضخمة فهي من الممنوعات عليه عدم التدخل
فيها.
ومما
زاد الطين بلّة, ينبغي على الرئيس القادم أن يحلف يمين الولاء أمام
المحكمة الدستوريّة المؤلّفة من رجال يعودون لعهد مبارك, كما احتفظ المجلس
العسكري بأهمّ الصلاحيات على الإطلاق وهي منع الرئيس من تغيير أعضائه, وهذا
ما يعني أنَّ المشير محمد حسين طنطاوي وزير الدفاع في عهد مبارك لمدة
عشرين عامًا سيبقى قائدًا عامًا للقوات المسلحة مدى الحياة على ما يبدو.
من
المقرَّر أن يعلن الرئيس القادم للبلاد رسميًا نهاية الأسبوع, بيد أنَّ
جماعة الإخوان المسلمين أعلنت فوزها بالفعل في الانتخابات استنادًا على
النتائج التي أعلنت من قِبَل المسئولين عن الانتخابات في المراكز الفرعيّة,
والتي أعطت محمد مرسي الأسبقية بحوالي 51.8 مقابل 48.1 للمرشح الآخر أحمد
شفيق, المدعوم من قبل الجيش والنظام القديم.
وهكذا
يَسطُع فجر يوم جديد لثورة مصر المضطربة على حالةٍ من الفوضى القانونيّة
والدستوريّة, فبينما قَبِلت جماعة الإخوان المسلمين حكم المحكمة الدستوريّة
الأسبوع الماضي الذي يقضي ببطلان انتخاب ثُلْث البرلمان الذي يسيطر عليه
الإسلاميون, لكنهم لم يقبلوا مع عددٍ من الخبراء الدستوريين حقّ المحكمة في
حلّ البرلمان برُمَّته, حيث قال طارق البشري أحد الفقهاء الدستوريين
المصريين: "الوحيد القادر على إصدار قرار بحل البرلمان هو الرئيس الجديد,
فهو سيكون بيده السلطة التنفيذيّة بعد انتخابه والتي سيتركها المجلس
العسكري وقتئذ".
من
الواضح أنَّ الثورة المصريّة أصبحت في مهبّ الريح, لكن هذه الانتخابات على
الأقل أزالت بعضًا من حطام العتمة والغامضة, وإذا تأكدت أرقام التصويت كما
أعلنها الإخوان المسلمون, فقد أثبتت الجماعة بذلك مرتين أنها القوّة
السياسيّة الرئيسية في البلاد, برغم أخطائها ومنعطفات التي تورّطت فيها
والشكوك حول الدفع بمرشح للرئاسة, مما جعلها تخسر أكثر من 5 مليون صوت بين
الانتخابات البرلمانيّة والجولة الأولى للرئاسة.
كما
أنَّها واجهت رياحًا عكسيّة للمعارضة الهائلة سواء من الإعلام أو
الليبراليين, الذين أطلقوا حملة للمقاطعة أو إبطال الأصوات في جولة
الإعادة, أو جهاز المخابرات التابع لمبارك, أو المثقفين والمفكرين, أو
الأنظمة الاستبداديّة الأخرى في العالم العربي, وبرغم أننا يمكن أن نوجه
للإخوان اتهامات جَمَّة وكثيرة فلا يمكن القول إنها تفتقر إلى الشرعيّة
الديمقراطيّة في مصر.
والواقع
يقول إن جميع الأحزاب الأخرى مجرد قادة بدون أحزاب حقيقية تقف وراءهم, ومن
هؤلاء الذين سمح لهم بالعمل خلال عهد مبارك وما زالوا متواجدين, لذلك
فإنَّ الليبراليين والعلمانيين وحركة الشباب والمسيحيين في مصر في مفترق
طرق في حياتهم السياسية, وهي تبدو كما لو كانت منقسمة وكأنَّها تقدم كطعام
للمجلس العسكري الذي أعلن أنه سيستمرّ في السلطة للأبد.
وحتى
لا تذهب دماء أكثر من 1200 شهيد في الثورة المصريّة ضدّ مبارك إلى جانب
8000 جريح, أو تضيع تضحياتهم سدى, فإنَّ المهمة الواضحة بشكل كبير لكل هذه
المجموعات التي شاركت في الثورة هي التوحُّد حول هدف مشترك, وهو الإطاحة
بالمجلس العسكري, والتخلص من النظام القديم وعودة الجيش إلى ثكناته وتأسيس
مؤسّسات ديمقراطيّة حقيقيّة.
وفي
النهاية, من الحماقة السياسيّة أن تشبه كلاً من المجلس العسكري والإخوان
بالكارثة, فمهما كان انتماؤك علمانيًا أو ذات توجه ديني, ينبغي علينا أن
نستكمل ثورتنا أولاً ثم نفرغ لمشاكلنا السياسيّة كي نحلها ونختصم فيها.
---------------
طالع ..المصدر
تعليقات