ألمانيا.. الوقوف على أرجل شرقية مسلمة!
ترجمة: حسن شعيب
عقب
الجدل الذي أثير مؤخرا في ألمانيا حول هوية المسلمين, أدلى اثنان من أبرز
المسيحيين الألمان بدلوهم، عندما فاجأ ماركوس سودر، وزير المالية في ولاية
بافاريا، جمهور المهاجرين الأتراك بقوله: "إن الإسلام جزء لا يتجزأ عن
ولاية بافاريا", بينما صرح الرئيس الألماني يواكيم جاوك للجريدة الأسبوعية "دي تسايت" واسعة الانتشار أنه يتفق مع سلفه، الرئيس السابق كريستيان وولف, حيث أعاد جملته بتعديل قائلا: "إن المسلمين الذين يعيشون هنا ينتمون إلى ألمانيا".
بطبيعة الحال, أثارت هذه التصريحات جدلًا ونقاشًا حادًا بين منكر لها أو متفق معها, وقد كان وزير الداخلية هانز بيتر فريدريش في صف المعارضين لذلك بقوة حيث صرح: "الإسلام جزء من ألمانيا واقع لا يمكن إثباته تاريخيا " مشيرا
إلى أن الهوية الألمانية تتشكل من "المسيحية والتنوير", واتفق معه في ذلك
البرلماني الألماني الكبير المحافظ فولكر كودر والذي قال إن "الإسلام ليس
جزءا من تقاليدنا وهويتنا".
لذلك احتدم النقاش حول ما الذي ينتمي إلى ألمانيا؟.. الإسلام؟ أم التنوير؟ أم المسيحية؟
فالتاريخ
يذكر أنه عندما ألقى كونراد أديناور, أول مستشار لجمهورية الألمانية
المتحدة, خطابه الأول عام 1949, التزم "بروح الثقافة المسيحية الغربية",
بينما لم يبقى من هذه الثقافة الكثير, بل إن العالم الغربي دمر بنفسه تحت قيادة الألمان انجازات قرون من الإنسانية والتنوير في غضون بضع سنوات خلال الحربين العالميتين.
في
المقابل فإن المسلمين في ألمانيا, والذين هاجر الكثير منهم من الشرق
ومعظمهم تعلموا ودرسوا في المدارس الجامعات الألمانية, يدركون حقيقة انتماء
الإسلام لألمانيا, لكنهم يندهشون كيف أن رجال مثل كودر وفريديريش وجاوك
يمكنهم أن يتجاهلوا ببراعة الجوانب المظلمة في الغرب, بينما في الوقت ذاته
ينسبون جوانبه المشرقة والمضيئة لأنفسهم فحسب, وهذا ما يؤكده أيمن مزياك،
رئيس المجلس المركزي للمسلمين في ألمانيا, "إن العالم الغربي يقف على أرجل
شرقية مسلمة".
لا
ريب أن ما قاله مزياك صحيحا تماما, بينما لا توصف جرأة فريدريتش في الخلط
بين التنوير مع المسيحية وتزكيتهم والثناء عليهما كأساس للهوية الألمانية
إلا بأنه تناسي وتغافل أو إشارة واضحة إلى وجود نقص جوهري في الثقافة والتعليم لديه.
أما الرئيس الألماني يواكيم جاوك الذي صرح لـ "دي تسايت" بأنه يتفهم هؤلاء الذين يتساءلون عن الأثر الذي خلفه الإسلام في أوروبا؟ فإنه في الواقع في حاجة للذهاب في جولته المقبلة في الخارج إلى الأندلس ومايوركا ومالطا والبوسنة ليتعرف على أثر الإسلام في هذه البلاد,
أو
ربما يحتاج الرئيس المطلع أن يقرأ قاموسه, وأن يأخذ الحرف الأول كمثال على
ذلك, فينظر في اللغة ليتعرف على كلمات مثل "أدميرال" أو "الجبيرة" ,
"الكحول" أو "أطلس" تعود جذورها جميعا إلى اللغة العربية أو يلقي, بوصفه
رئيسا للجالبة التركية في ألمانيا, نظرة في كتب التاريخ, ليعرف أن السلطان
محمد الثاني, الذي فتح القسطنطينية عام 1453, أسس إمبراطورية إسلامية لأكثر من ثلاثة قرون وشكل خلالها تحالفات متغيرة مع البريطانيين الانجيليين والفرنسيين الكاثوليكيين.
عندما يقوم جاوك بهذه الأمور قد يكتسب ما يساعده تدريجيا للتخلص من الأفكار والفجوات التي خلفتها هجمات
11 سبتمبر عام 2001, كما هو متعمق في عدد غير قليل من الدول ولا سيما
ألمانيا, التي فعل ساستها ما لم يقدم عليه ساسة الولايات المتحدة أو
بريطانيا – كلاهما تعرضا لهجمات إرهابية أكثر – في جدية مناقشة هل ينتمي
الإسلام إلى بلادهم؟
وهذا هو بالضبط ما يجعل غالبية المسلمين الألمان, يشغلهم التساؤل حول ما إذا كانوا ينتمون لألمانيا
أم يتم التعامل معهم بوصفهم أجانب, هذا ما يدفعهم بشكل واضح للنظر إلى
النقاش الدائر حول الإسلام في المجتمع الألماني بشكل شخصي للغاية,
برغم أن الرئيس الألماني نفسه تعود أصوله إلى ألمانيا الشرقية ويفتخر
بذلك, فهو بذلك يشارك المسلمين الألمان تجربتهم في توقهم لأصولهم الشرقية، وهذا سبب هام في انتمائهم لألمانيا كما هو جاوك نفسه.
في نهاية المطاف, لا يعد النقاش الدائر في
الآونة الأخيرة بين أوساط السياسيين في ألمانيا فيما يتعلق بانتماء
الإسلام للمجتمع الألماني سوى دليل واضح على نقص فهمهم وإدراكهم للتاريخ
بشكل عام فالشواهد التاريخية والثقافية التي ذكرناها تؤكد بما لا يدع مجالا
للشك أن الإسلام جزء لا يتجزأ من ألمانيا.
--------------------- طالع...المزيد
تعليقات