الغرب.. إذ يشيطن الإسلام
ترجمة: حسن شعيب
ذكرت
مجلة وايرد الأمريكية مؤخرًا أن ضابطا عسكريا يدعى "ماثيو إيه دولي",
ويعمل محاضرًا في كلية عسكرية رفيعة المستوى بتدريس مادة عن "حرب شاملة" ضد
الإسلام ستكون ضرورية لحماية أمريكا من الإسلاميين, زاعمًا أن "الإسلام
أعلن الحرب بالفعل على الغرب" وأن "مئات الملايين من المسلمين يعتنقون
عقيدة موحدة ذات هدف واحد"، وأنهم يكرهون كل ما لدى الغرب ولن يهدأوا حتى
يُقضى عليه".
نموذج للتطرف
في
المحاضرة التي نشرت مجلة "وايرد" نصها, قدم "دولي" نموذجا لعملية "مكافحة
الجهاد" التي تخطط للهجوم على العالم الإسلامي بصرف النظر عن ميثاق جنيف
عام 1949 الذي يحمي حقوق الإنسان والمدنيين في حال النزاع المسلح والحروب,
وهذا النموذج يشمل الحرب على المدنيين إن كان ذلك ضروريا, مشيرا إلى سوابق
تاريخية في طوكيو ودريسدن وهيروشيما ونجازاكي, كما اقترح "دولي" في نموذجه
"تجويع المملكة العربية السعودية" واستهداف المدن المقدسة في العالم
الإسلامي "مكة والمدينة".
ليس
ثمة شك أن وجهات نظر "دولي" وآرائه ونموذجه المقترح تعتبر من المواقف
المتطرفة الصادمة ضد الإسلام, بيد أن الذي ما زال يثير القلق هو أن تلقى
آرائه قبولا في أوساط أصحاب النفوذ في وسائل الإعلام, حيث وصفت آن كولتر,
الكاتبة الأمريكية المنتمية لليمين المتطرف, الإسلام بالفاشية ودعت لغزو
الدول الإسلامية لقتل قادتهم وإجبارهم على اعتناق المسيحية.
كراهية غير عقلانية
أما
باقي المحاضرين الضيوف فزعموا مرارا أن المسلمين في الماضي كانوا دوما
يكرهون ويحتقرون اليهود والمسيحيين, مدعين أن لهذا السبب فإن الإسلام دين
امبريالي يعتمد على قهر الآخرين, وبشكل لا يصدق تم عرض فيلم يصور المسلمين
على أنهم عازمون على الاستيلاء على الولايات المتحدة بحضور أكثر من ألف
ضابط كجزء من التدريب لقسم شرطة نيويورك العام الماضي.
ويروي
الفيلم الوثائقي أن "المسلمين لديهم أجندة خاصة واستراتيجية للتسلل
والهيمنة على أمريكا", وصور المسلمين كإرهابيين يطلقون النار على رؤوس
المسيحيين ويفجرون السيارات المفخخة، محذرًا من رفرفة العلم الإسلامي على
البيت الأبيض.
في
العام الماضي كذلك, عثر في مكتب التحقيقات الفيدرالية على وثائق محتواها
يثير الخوف من الإسلام بشكل فاضح, ووفقا لما ذكرته مجلة وايرد التي حصلت
على تسريبات "إف بي أي"، كان تقول وثيقة: "إن المسلمين الأمريكيين
يتعاطفون مع الإرهاب: والذي يعد محمد زعيما لهذه الطائفة, أما الأعمال
الخيرية فليست أكثر من مصدر لتمويل ماكينة الإرهاب والقتل".
هيستريا غير مبررة
هل
لهذه الهستيريا ما يبررها؟ وهل المسلمون يعتبرون التهديد الأحمر الجديد
والعدو العتيد الذي يحتقر الغرب ويتآمر لتدميره؟ بالطبع لا, فالغرب هو الذي
يملك ما يكفي من الأسلحة النووية لتدمير الإنسانية أكثر من مرة وليس
العالم الإسلامي، والغرب هو الذي حرض على إجراءات أدت إلى قتل مئات الآلاف
من المدنيين في العراق بدءا من العقوبات التي فرضت عليه في تسعينيات القرن
الماضي حتى الحرب الأخيرة وليس العالم الإسلامي.
حتى
إذا كان "دولي" يعتقد بأن الإسلام هو البعبع، فقد فشل في الإحاطة علما
بحقيقة أنه حتى هؤلاء الذين استشهد بهم في دراساته، مثل الأكاديمي بيرنارد
لويس، والذي يعد من أشد المؤيدين للحرب على العراق, ومع ذلك فإنه لاحظ أن
الإرهاب لا وجود له في الإسلام القرآني, مؤكدا أن الفارس المسلم لا يخير
ضحاياه بين القرءان والسيف وأن هذا غير حقيقي وربما مستحيل, وفقا للآيات
القرآنية والأحاديث النبوية.
أمريكا الأكثر إرهابا
فضلا
عن أن تأييد الإرهاب ضد المواطنين الأمريكيين سواء على الأراضي الأمريكية
أو في أي مكان آخر، لا يزال محدودا وضئيلا للغاية بين أوساط سكان العالم
الإسلامي, كما يمكن للمرء أن يرى ذلك مؤخرا في استطلاعات الرأي التي أجريت,
بيد أن المثير والمحطم للمعتقدات الأمريكية التقليدية, ما أظهره أحد
استطلاعات الرأي الذي أجري عام 2007 في جامعة ميرلاند بأن الأمريكيين أكثر
موافقة على الهجمات الإرهابية ضد المدنيين أكثر من أي دولة إسلامية كبرى.
صار
واضحا أن تشويه صورة الثقافة الإسلامية ووصمها بالهمجية وكراهية الحضارة
الغربية كان السبب في تزكيتها أمثال هؤلاء المتطرفين بداية من دولي وحتى
أندريس بريفيك, وأن التحليل الضيق والمختزل كان غير قادر على استيعاب
الحقيقة الأساسية والتي غالبا تنسى في الثقافات التي تواجه شيطنة وتشويه
واسع النطاق: وهي أن المسلمين بشر مثل الغربيين.
صار
لزاما علينا أن نذكر أنفسنا بإنسانية "الآخر" حتى لا ننزلق في التسرع
لإطلاق التأكيدات المسبقة على فئة معينة ووصفها بشكل غير أخلاقي والمطالبة
بمكافحتها بالقوة, كما أننا بالتأكيد بحاجة لمكافحة الإغراء للوقوع فريسة
للروايات المبسطة بشأن العالم الذي نعيش فيه، مثل الفكرة المختزلة في أن
"صراع الحضارات" بين الإسلام والغرب هو مستقبلنا, فإننا إذا لم نرفض مثل
هذه التصورات تماما من بيننا فإن أول من ستقضي عليه هو الواقع تحت تأثيرها.
--------------------
طالع ..المصدر
تعليقات