أمريكا.. دولة الجواسيس والمخبرين!
ترجمة: حسن شعيب
في
أعقاب هجمات 9/11، كانت أحد أهم الانتقادات التي وجّهت إلى وكالة
المخابرات المركزيّة هو فشلها التام في اختراق تنظيم القاعدة بعنصر بشري,
وخلال هذا الأسبوع شهدت العناوين الرئيسية قصة الجاسوس السعودي، الذي تعاون
مع وكالة الاستخبارات المركزية، وتغلغل داخل تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة
العربيّة ليمنع هجوم طائرة متجهة إلى الولايات المتحدة، وتقديم معلومات
استخباراتيّة حاسمة لتوجيه ضربة طائرة بدون طيار ضد قائد القاعدة في شبه
الجزيرة العربيّة.
بكل
المقاييس، كانت هذه العملية انقلابًا مذهلا للمخابرات بالتسلل إلى قلب فرع
لتنظيم القاعدة يعتقد أنهم يتآمرون لقتل الأمريكيين, وفي الوقت الذي نال
هذا الصنيع استحسان كثير من المعلّقين والمدونين, ظهرت كذلك ردود فعل
مستاءة ومعادية, حيث وُصفها البعض بأنها "مؤامرة إرهابيّة محليّة" قامت
التحقيقات الفيدراليّة بالتنفيذ والتخطيط لها والتوجيه والتمويل.
أيد
هذا التقييم العشرات، إن لم يكن المئات، من المدونين والنقاد من مختلف
المشارب, فالتسلل ووسائل التجسس الأخرى تضفي سحرًا خاصًا على النفسيّة
الأمريكيّة, فعندما ينجح أي هجوم، يطالب الأمريكان أن يعرفوا أين كانت
أجهزة الاستخبارات الخاصة بهم، ولمَ لم تقدم أيًا من التحذيرات, ومع ذلك
يظل الأمريكان عمومًا يشعرون بالهدوء والسعادة إذا ما نظروا في الاتجاه
الآخر, حتى لو كان بالأعمال القذرة البعيدة عن الأنظار بدلا من الحفاظ على
سلامة البلاد.
منذ
أحداث 11 سبتمبر, جرت محاكمة أكثر من 300 من المقيمين في الولايات المتحدة
بتهمة ارتكاب جرائم تتعلّق بالإرهاب المحلي, واستهداف نصف المواطنين
تقريبا بإنفاذ قانون لاستخدام المخبرين السريين, أو عمليات التجسس, أو
استخدام كليهما على حد سواء, كما ظهرت أقاويل بأن فكرة التسلّل تلك اتسعت
وشملت من مستوى الجندي وحتى المستوى الأعلى, كما أصبحت هذه الأساليب
المثيرة للجدل بشكل متزايد لعدد من الأسباب، بما فيها تصور استهدافها
للمسلمين على وجه الحصر.
لكن
التسلّل في المجتمعات, بما في ذلك استخدام العملاء السريين والمخبرين
المدفوع لهم, كان يعمل على نطاق واسع قبل فترة طويلة من أحداث 11 سبتمبر,
وهذا لا يقتصر فقط على المسلمين، أو حتى استهداف الإرهاب, وهذا ما يتضح في
الأشهر الأخيرة، حينما لعب مخبرين وعملاء سريين دورًا رئيسيًا في القضايا
الجنائيّة التي تورط فيها الفوضويين في ولاية أوهايو ذات الصلة بحركة
"احتلوا" المتطرفين اليمينيين في جورجيا، وأريزونا، وميتشيغان.
وفي
مقاله الأسبوعي في جريدة "بوسطن جلوب" قال المحامي انتوني كاردينال "حتى
المافيا غير محصنة من ذلك, فكل من يخرج عليه أن يدرك أنه إذا ما نظر أحدهم
إلى اليسار أو تطلع إلى اليمين, فلابد أن تدرك أنه شخص ما يعمل مع مكتب
التحقيقات الفيدرالي أو يرتدي موصلا لاسلكيًا".
إن
تشويه ما يجب أن يكون انتصارًا كبيرًا لوكالة المخابرات المركزيّة تحوّل
إلى قلق متزايد داخل المجتمع الأمريكي حول الأثر التراكمي لتكتيكات التجسس
والتخابر على المجتمعات المستهدفة والجمهور الواسع, لذلك لا ينبغي تجاوز
القواعد القانونيّة والمبادئ التوجيهيّة بشأن عمليات التسلل والكمائن,
والتي أيدتها المحاكم عالميا تقريبا بإمكانيّة استخدام الحكومة لهذه
التكتيكات منذ أحداث 11 سبتمبر.
ومع
ذلك, يمكن لأي فرد كان له علاقة بهذه الأساليب أنه قد يكون على حق من
الناحية الفنيّة, والدوافع السياسيّة والعمليّة لتغطية مواقف هامة حتى لا
يردي الأمريكان قتلى, وهذا من السهل على الشعب الأمريكي أن يفهمه, بيد أن
الذي بدأنا دراستها هي التكاليف الاجتماعيّة الناجمة عن اشباع الدولة
وملئها بالجواسيس والمخبرين.
حتى
الآن ما زال المجتمع الأمريكي غارق في مناقشة وطنية حول التجسس في المرحلة
التكوينيّة, والذي ما زال الغضب فيه مطروحا وموجود على جوانب الخطاب
أطرافه, وشاعت بين الأمريكان مخاوف مقلقة حول هذه التكتيكات وزحفها نحو
القلب, إلا أن هذا الموضوع من المرجّح أن يصبح أكثر أهميّة في الأشهر
والسنوات المقبلة بعد التكيف على حياة ما بعد 11 سبتمبر.
لا
ريب أن الأمر يستحقّ إجراء مناقشة بين الصحفيين والسياسيين والقانونيين
والمجتمع الأمريكي, ولا سيما بعد تعمد الحكومة الأمريكية في تضخيم حجم
الحوادث الإرهابية ونجاحاتها باستخدام هذه الأساليب حتى يروّع الشعب ويرغمه
على الخضوع والاستسلام, فضلا عن العديد من المغالطات المنطقيّة التي تقوم
بها الأجهزة الاستخباراتيّة, لذلك, ليس ثمة شكّ أن عصر التسلل يثير تحديات
هامة وأسئلة شائكة ومريبة والتي تحتاج لأن تناقش في بيئة مدركة حقيقة, لقد
آن الأوان أن نحقق هذا الحوار وسط هذا الصراخ للحوار الأمريكي والانتقال
إلى عالم من المناقشة الواعية.
---------------------
طالع..المصدر
تعليقات