حينما يرتدي "الاستعمار" ثوبًا قانونيًا!



ترجمة: حسن شعيب
يبدو أن "الاستعمار" لم ينته, ولكنه صار يتخفى في ثوب "القانون الدولي", الذي يعاقب بموجبه الدول الضعيفة والتابعة فحسب، بينما يسمح للدول القويّة والغنيّة أن تفرض سطوتها على العالم بأسرِه.
خير مثال على ذلك, إدانة تشارلز تايلور, الرئيس الليبيري السابق, والذي بعث برسالة واضحة لرؤساء وقادة العالم الحاليين، أن: منصبك الكبير لا يمنحك أي حصانة, لكنها تحمل رسالة ضمنيّة أخرى في الواقع، مفادها: إذا كنت تدير دولة صغيرة ضعيفة فإنك ستخضع للقانون الدولي بكامل قوته، أما إذا كنت تدير دولة قويّة، فلا يوجد ما تخشاه.
وفي الوقت الذي يرحب فيه أي شخص, يهتم بمجال حقوق الإنسان, بهذه الإدانة, تستعيد الأذهان ذكرى الحرب غير الشرعيّة على العراق وعدم محاسبة أي أحد قانونيا بسببها, رغم أنها جريمة توافق تعريف محكمة نورمبرج للعدوان, الذي يُطلق عليه الجريمة الدوليّة العظمى, وعليه فإن التهم التي ينبغي التحقيق فيها, وفقا للنظام القضائي, ما قام به جورج بوش وتوني بلير وشركائهم هناك والتي تعد أكثر خطورة من تلك التي أدين بسببها تايلور.
هذه الإدانة التي قال عنها وزير الخارجيّة البريطاني وليم هيج إنها "تظهر أن هؤلاء الذين يرتكبون أبشع الجرائم يمكن أن يقدموا للمحاكمة على أعمالهم", لكن المحكمة الجنائية الدوليّة, برغم إنشائها قبل عشرة أعوام ورغم أن جريمة العدوان معترف بها وفق القانون الدولي منذ 1945, ما زالت لا تملك نظامًا قضائيًا بشأن "الجرائم الأكثر خطورة".
ولأسباب واضحة تستخدم الدولة القوية الكبرى المماطلة في هذا الصدد, فإلى الآن لم تدرج المملكة المتحدة والولايات المتحدة وغيرها من الدول الغربية جريمة العدوان إلى تشريعاتها الخاصة, وبذلك يظل القانون الدولي يمثل المشروع الإمبريالي والذي  يعاقب بموجبه الدول التابعة فحسب على الجرائم التي ارتكبتها.
وهذا ما ينطبق على غيرها من القوى العالمية الأخرى, مثل صندوق النقد الدولي, برغم إصلاحاته المهلهلة, الذي ما زالت الولايات المتحدة والقوى الاستعمارية السابقة تسيطر عليه, حيث أن كل المسائل الدستوريّة تتطلب التصويت بنسبة 85%، في حين أن الولايات المتحدة تحتفظ بنسبة 16.7% لضمان حق النقض "الفيتو" على إجراء الإصلاحات, ما يعتبر رقابة لا يمكن تفسيرها, كما لا زالت بلجيكا تحتفظ بثمانية أضعاف أصوات بنجلاديش، كما تحظى إيطاليا بنصيب تصويت أكبر من الهند، وتملك المملكة المتحدة وفرنسا معا أصوات أكبر من 49 دولة إفريقيّة, فضلا عن بقاء منصب الإدارة للمؤسسة الدوليّة فسيبقى أوروبيا ونائبه أمريكيا وفقا للتقاليد الامبريالية.
وبذلك يظل صندوق النقد الدولي هو الوسيلة التي تظهر الأسواق المالية الغربية من خلاله سيطرتها على باقي أرجاء العالم, فعلى سبيل المثال قام الصندوق في نهاية العام الماضي بنشر ورقة ضغط على الاقتصاديات الناشئة لزيادة عمقها المالي, ما من شأنه, كما يدعي البعض, حمايتهم من الأزمة, كما مورست الضغوط على الدول الآسيويّة لتحرير عملاتها للسماح للمضاربين الغربيين بالهجوم عليها, وبذلك صارت وصفات صندوق النقد الدولي غير مفهومة حتى يتكشف لديك أنها أداة للقوى الماليّة العظمى.
يبدو أن نهاية الاستعمار لم تحدث حتى استطاعت القوى الاستعمارية السابقة والإمبراطوريات الماليّة من إنشاء وسائل أخرى للحفاظ على هذه السيطرة والهيمنة، من هذه الوسائل الذي ظل دون تغير مثل صندوق النقد والبنك الدولي، ووسائل أخرى, مثل برنامج التسليم الاستثنائي للمتهمين والذي جاء ردًا على التحديات الجديدة التي تواجه الهيمنة العالميّة, كما يظهر اختطاف عبد الحكيم بلحاج وزوجته عام 2004 أن خارجية المملكة المتحدة وأجهزة مخابراتها تعتبر نفسها قوة بوليسيّة دوليّة لها أن تتدخل في شئون الدول الأخرى.
لقد ظلّ برنامج التسليم الاستثنائي بعيدا عن أنظار الرأي العام, مثل الجرائم الاستعماريّة التي ارتكبتها بريطانيا في كينيا وغيرها, والتي استمرت وزارة الخارجية البريطانية في إخفائها حتى تم الكشف عن أرشيفها السري الشهر الماضي, فكما أنكر, ألان لينوكس بويد, وزير الاستعمار البريطاني, مرارًا أمام البرلمان وجود حالات اعتقال وتعذيب في كينيا وغيرها, قال جاك سترو, وزير الخارجية  "ببساطة لا توجد حقيقة حول المزاعم التي تورّط المملكة المتحدة في برنامج التسليم الاستثنائي".
وأفضل دليل على ارتداء الاستعمار ثوب القانون, ما قام به كلا من بوش وبلير حينما أعلنا, في بلاد ما بين النهرين, الحرب الاستعمارية على أفغانستان, مستخدمين التمويه التقليدي للمهمة الحضاريّة, وذلك سعيا وراء السلطة والنفط ومناطق النفوذ, وانتحلت القوى الكبيرة لنفسها وظائف الشرطة العالميّة لتحقيق العدالة من جانب واحد بالاستغناء عن القانون الدولي, وكل هذه الدلائل تشير إلى أن القوى الاستعمارية لم تنتهي بعد لكنها تحولت إلى أشكال جديدة "قانونيّة" فحسب. 
---------------------
طالع...
المصدر

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

النوبة .. ملاذُ السكينة على ضفاف النيل

اليمين النمساوي يطالب بحظر الرموز الإسلامية وسياسيون أيرلنديون يحثون على استيعاب المسلمين.. الأقليات المسلمة في أسبوع

اكبر حديقة ازهار في العالم.. 45 مليون زهرة وسط الصحراء