لغز "لوكيربي" دُفِن مع المقرحي
ترجمة: حسن شعيب
"إنه
بريء إنه بريء إنه مجاهد" كان هذا هتافًا ردّده أحد أقارب المقرحي في لحظة
مواراة جثمانه الثرى, لتُطوى معه أحد الصفحات الليبيّة المشينة في عهد
القذافي.
فبعد
قرابة 23 عامًا, رحل عبد الباسط المقرحي, الضابط السابق في المخابرات
الليبيّة والمحكوم عليه الوحيد في حادث تفجير لوكربي عام 1988, والذي توفي
متأثراً بمرض السرطان الأسبوع الماضي عن عمر يناهز الستين عاما في طرابلس
بينما ظلّت قضيته مفتوحة وربما أصيح من العسير التوصل للحقيقة كاملة بعدما
دفنت أسرار كارثة "لوكيربي" معه.
أثار هذا الأمر اهتمام وسائل الإعلام العالمية, حيث قالت صحيفة "نيويورك تايمز"
الأمريكيّة أن رحيل المقرحي يلقي بظلاله على جدل الإفراج عنه, مؤكدة أن
ملف المتهم في تفجير طائرة الركاب الأمريكيّة بانام في ثمانينيات القرن
الماضي، لم يغلق بعد، وأن الجدل والتحقيقات بشأن هذه القضية ستستمر حتى بعد
وفاة المقرحي.
وأشارت
الصحيفة الأمريكيّة إلى أن الستار لن يسدل على حادثة لوكيربي (البلدة
الإسكتلنديّة التي سقطت فوقها الطائرة المعنيّة وأصبحت القضية تعرف باسمها)
بوفاة المقرحي, حيث أن هناك من يظنون أن المقرحي ليس الفاعل، مستشهدة
بتصريحاتٍ لرئيس الحكومة الإسكتلنديّة مؤخرًا في مقابلة تلفزيونيّة معه,
قال فيها إن ملف التحقيقات في القضية لم يُغلق بعد, مشيرًا إلى وعد من
الحكومة الليبية الجديدة بالتعاون من أجل الكشف عن المسئول عن ذلك التفجير.
ونقلت جريدة الجارديان
البريطانيّة ما قاله راسل براون النائب الممثل لبلدة لوكيربي الإسكتلندية،
حيث قال: "إن هناك مسائل لم يرد عليها بشأن تفجير الطائرة، كذلك إن وفاة
المقرحي, الذي أُطلق سراحه من قبل الحكومة الاسكتلندية لأسباب إنسانية في
عام 2009, تعني صعوبة إمكانية الحصول على الحقيقة الكاملة عن الكارثة والتي
قد تكون أسرارها دفنت معه".
وأشارت
الصحيفة البريطانية إلى البيان الذي أصدرته "حملة العدالة للمقرحي" والذي
حمل توقيع أكثر من أربعين شخصية عامة وإعلامية، من رجال الدين مثل الأسقف
دزموند توتو وأهم شخصية دينية كاثوليكية في اسكتلندا الكاردينال كيث
أوبراين والبروفيسور الأمريكي نعوم تشومسكي، إلى جانب كبيرة مراسلي (بي بي
سي) كيت إيدي، وعدد من الصحفيين والإعلاميين المرموقين, وقد طالب البيان
بإجراء تحقيق مستقل في إدانة المقرحي، ذاكرا أن محاكمته استندت إلى حكاية
خيالية افتقرت إلى أدلة مباشرة دعمت إدانته.
من
جانبها استشهدت "نيويورك تايمز" بما ذكره كبير المدعين في محاكمة المقرحي
سابقا والذي قال إنه من المؤكد ضلوع آخرين في القضية, وإن هناك فرصا جديدة
أمام التحقيق بدون شك, مؤكّدة وجود متعاطفين بريطانيين مع قضية المقرحي،
ومنهم الدكتور جيم سويار، الذي فقد ابنته في انفجار الطائرة، والذي عارض
محاكمة المقرحي وأغمي عليه في قاعة المحكمة حينما تمت إدانة المقرحي, مضيفة
أن سويار ظل يطالب بتشكيل لجنة تحقيق مستقلة في تفجير طائرة لوكربي قائلا
إنه لا توجد أدلة على تورط المقرحي, بينما تشير أصابع اتهام أخرى إلى إيران
وليس ليبيا، مستندة في ذلك إلى وجود ثغرات في الأدلّة.
وبينما
يرفض رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون، إمكانية فتح تحقيق جديد في
القضية, أعلن محمد الحريزي, المتحدث باسم المجلس الوطني الانتقالي الليبي،
أن ملف لوكيربي لن يُغلق, كما ذكر مسئولون رفيعو المستوى في النظام الليبي
الجديد أن أيّة تحقيقات جديدة يجب أن تتمّ تحت إشراف السلطات الليبيّة، في
إشارة إلى زيارة محققين أمريكيين وبريطانيين لطرابلس مؤخرًا للتحقيق في
القضية على الأراضي الليبيّة ويذلك تظل هذه القضية عالقة بين من يريد طي
صفحتها وبين من يرى أنه لابد من إجراء تحقيق آخر فيها.
وفي
حضور العشرات, من بينهم مسئولين سابقين من عهد القذافي, تقدّموا ليشيعوا
جثمان الراحل وكان أغلبهم من أقارب المقرحي, قال بعضهم: إن رحيله يذكّرهم
بحقبة عهد القذافي حينما ظلّت ليبيا دولة معزولة وعانت من العقوبات
الدوليّة على مدى سنوات طويلة, بينما أكّد الحريزي "أن من مصلحة الليبيين
ألا يغلق ملف لوكيربي كي نكشف سوءات وجرائم النظام السابق.
يُشار
أن المقرحي حكم عليه من قبل محكمة إسكتلندية عام 2001 بالسجن مدى الحياة
لإدانته بالضلوع في تفجير طائرة فوق مدينة لوكربي مما أودى بحياة 270
شخصًا, كما أفرج عنه القضاء الاسكتلندي عام 2009 لأسباب إنسانيّة بعدما شخص
أطباء إصابته بالمراحل النهائيّة من المرض.
في
نهاية المطاف لا شك أن العديد ولا سيما الليبيين يرغبون في كشف ملابسات
قضية لوكربي قد الإمكان, وأنهم سيدعمون المجتمع الدولي في ذلك خاصّة بعد
القضاء على نظام القذافي ومن ثم صارت مطالب البعض لفتح التحقيقات من جديد
في هذه القضية لازمة, برغم أنه لا يمكن لأحد أن يجزم بإمكانيّة التوصل إلى
الحقيقة الكاملة والتي دفن معظمها مع جثمان المقرحي.
----------------
تعليقات