رحلة في عالم التعذيب داخل سوريا
ترجمة: حسن شعيب
أكثَر
من 15 سجينًا تمَّ تجميعهم سويًا في غرفة صغيرة لأيام وأحيانًا لأسابيع,
بحيث لا يمكنهم الجلوس أو الاستلقاء, وبالكاد ربما لا يجد أحدهم مساحة
صغيرة للوقوف على قدم واحدة, ولا توجد أضواء حيث يصير الخوف من الأماكن
المغلقة لا يُطاق.
من
بين هؤلاء كان إبراهيم أحمد البالغ من العمر 38 عامًا, والذي تعرض للتعذيب
مرارا سواء بالصواعق الكهربائيّة أو بغيرها من آلات التعذيب,
طيلة الأسابيع والشهور التي احتجزته فيها قوات الأمن السوريّة, حيث يقول
وهو يحدق في الأرض وغير قادر على الاستمرار في الحديث "اقتادوني إلى غرفة
الكهرباء ووضعوها على جميع أجزاء جسدي حتى الحسّاسة منها".
أما
السيد ألوجلاه فلم تكن المرة الأولى التي يتغلب فيها على روايته لتفاصيل
احتجازه, حيث كانت عواطفه مليئة بالحزن والأسى لكنها تتصاعد سريعًا لدرجة
الغضب عندما يتحدث عن الرئيس بشار الأسد تصل إلى ورجال نظامه الوحشي,
ونظرًا لفظاعة التعذيب الذي تعرض له فقد قال هاذيًا: "بعد كل ما رأيت من
التعذيب يمكنني أن أقول كيف يسمح الله لرجل مثل الأسد بالسير على الأرض؟".
وقد
غادر ألوجلاه هو وزوجته وابنه الذي يبلغ من العمر ستة أعوام وابنته ذات
الثلاث سنوات, إلى الحدود الأردنيّة في مدينة رامثا التي تبعد 7 كيلومترات
عن مدينة درعا مهد الثورة السوريّة, واستقروا مؤقتا في شقة من غرفتين
صغيرتين يتسرب إليها المطر بعد ما تركوا ورائهم في بلادهم كل شيء, ربما كان
وضعهم مأساويا لكنهم الآن ولأول مرة بعد 11 شهرًا يمكنهم التقاط أنفاسهم
من الفرار المستمر من الآلة القمعيّة للنظام السوري.
من
نافلة القول أن عائلة هذا السوري كانت واحدة من آلاف العائلات والأسر
السورية التي فرت إلى الأردن, وما زال الرعب يتملك الكثير منهم خشية العثور
عليهم من قبل القوات السوريّة المخيفة وإرسالهم من جديد إلى المصير المخيف
في سوريا, وقد كان ألوجلاه من أوائل من اعتقل في بداية الثورة السوريّة
بعد الانضمام لإحدى التظاهرات المنددة بالنظام القمعي السوري.
ويروي
قائلا إنه في الأيام الثمانية الأولى لاعتقاله تعرض للضرب المبرح على معظم
جسده حتى تركت أثرًا لكدمات سوداء عليه والتي ظلت واضحة على جلده لمدة
أسبوعين بعد إطلاق سراحه, حيث قال: "لقد آذوني ليل نهار, ويسألونني هل تود
أن يحكمك باراك أوباما أو ساركوزي؟ مضيفًا: "كانوا يستخدمون إطارات
السيارات ليضربونا به, وعندما نستغيث بالله أو بالرسول أثناء التعذيب
يذيقوننا من العذاب ألوانًا".
مؤخرًا
اكتشف لما تمّ اعتقاله حيث يقول "كنت أتحدث مع أصدقائي عن انعدام الأمن في
سوريا, وقلت إن بشار الأسد كوالده حافظ لم يفعل شيئا للحفاظ على أمن الشعب
السوري, كما لم يفعلوا شيئا لبلدهم", وقد سجّل أحد أصدقائه هذا الحديث على
الهاتف المحمول وقد كانت هذه الكلمات بمثابة رصاصات تطارده للأبد.
لم
يمض وقت طويل قبل أن يُلقى القبض عليه مرة أخرى ليتم اقتياده إلى معتقل
سري تحت الأرض, والذي يروي فيها قائلا: "كان هناك العديد من الأشخاص
المشنوقين, اثنين منهم ضربوا غالبا حتى الموت, وشاهدت أشخاصًا تفجرت أعينهم
بسبب ضربها بإطارات السيارات, وخلال احتجازي لمدة عشرين يومًا قتل حوالي
60 شخصًا كما أعلن ولكن ما خفي كان أعظم".
وقد
توافقت المأساة التي رواها ألوجلاه مع اكتشافات هيومن رايتس ووتش, والتي
التقت باحثيها مع مئات الضحايا في التعذيب خلال الثورة السوريّة, حيث أشارت
آنا نيستات, المدير المشارك للبرامج وقسم الطوارئ في "هيومن رايتس ووتش"
إلى أنهم "وجدنا أن استخدام التعذيب واسع النطاق ومنهجي وقد كانت هناك
مجموعة واسعة من التعذيب الجنسي والأسلاك الكهربائيّة", بالإضافة إلى ذلك
قال ألوجلاه أن قوات الأمن السوريّة لم تستولِ على الأموال والمجوهرات فحسب
في بيته, ولكنهم دمروا تجارته وممتلكاته ومكتبه والمصنع الذي يمتلكه".
وخلال
فترة حبسه الثانية التي استمرت شهرين تعرض لألوجلاه لأبشع صنوف العذاب
والألم حيث قال: "كانوا يجبرونني على الاستلقاء على الأرض ووجهي ويقيدون
ساقي معًا بالعصا, ثم يضربونني حوالي 400 أو 500 بكابل سميك للدرجة التي
تعيني وتجعلني غير قادر على الوقوف وقد أخبرهم طبيب المستشفى بضرورة إطلاق
سراحي أو أنني سأموت في السجن", مضيفًا: "كما كان يكره بعض السجناء على
الانبطاح على الأرض ثم يرغمونني على السير فوقهم".
لم
تكن هذه سوى رحلة بسيطة داخل عالم التعذيب وصنوفه التي يتعرض لها الشعب
السوري الذي أبى الخنوع والاستمرار في دولة الظلم والقمع فهل تنتهي هذه
الغمة ويسطع فجرها وينقشع الظلام قريبًا.. نرجو الله ذلك.
----------------
طالع..المصدر
تعليقات