دروس بوسنية إلى سوريا
ترجمة: حسن شعيب
على
مقربة من ذكرى مدمية للقلب وباعثة على الحزن, في يوم 15 أبريل 1992, فتح
قناصة صربيون النار على السيدتين سوادا ديلبروفيتش وأولجا سوكيتش, بينما
كانتا تحضران مؤتمرا للسلام في سراييفو، ليصبحا باكورة مذبحة سقط خلالها
أكثر من مائة ألف في السنوات التالية، مع بداية الحرب البوسنية.
وبرغم
أن هذه ذكرى حزينة إلا أنها أيضا قد تكون مفيدة, حيث إن كثيرا مما ترتبط
وتتميز به الحرب البوسنية بما فيها الهجمة الوحشية البربرية, تحدث الآن في
سوريا, مرة أخرى نشاهد مجزرة طائفية, ونواجه صورا من الشعوب والأديان
والطوائف والقبائل, كما نحذر من التحديات الكبيرة في التضاريس مثل الصحراء
والجبال والمدن السورية, ومرة أخرى يقال لنا أن تسليح المعارضة سوف تفاقم
القتل.
وفي
البوسنة سيقت كل هذه الحجج, حيث ذكر الكاتب روبرت كابلان في كتاب "أشباح
البلقان" الذي نشره في عام 1993, وفيه كشف النقاب عن وضع تعدد القوميات
والأديان في شبة الجزيرة البلقانية المأهولة بالعديد من المجموعات العرقية،
حيث توصف بأنها نوع من الحفر الدينية (الكاثوليكي الروماني والأرثوذكسي
الكاثوليكي واليهود والمسلمين) وهم جميعا يعيشون في قلق متناغم, وقد صورها
الكاتب على اعتبار أنها مكان غريب للغاية وغامض من الثأر والسياسات غير
المفهومة, وفي الكتاب رسالة واضحة وهي أن تبقى بعيدا عن هذه المنطقة.
وعندما
قرأ كلينتون هذا الكتاب, استمع إلى رسالة الكاتب وابتعد, يبدو أنه كان على
حق، فالزائر لهذه المنطقة يجدها مكانا مخيفا من الأحقاد والتضاريس الصعبة
من الجبال والغابات, ومن ثم اعتقدت أن البوسنة لم تكن مكانا لأمريكا وحلف
الناتو للتدخل, لكني كنت مخطئا, فعندما عكس كلينتون مساره وقام حلف الناتو
بالقصف فقد آتى هذا التدخل أكله وانتهى القتل.
وفي
الوقت الراهن, يتباطأ أصدقاء سوريا للوصول إلى استنتاج أن ما ينبغي عليهم
فعله هو مساعدة المتمردين على النظام السوري, لكن هذا التحالف الفضفاض خلقه
إعاقة روسيا والصين وإحباطهما لكل عمل تقوم به الولايات المتحدة والتي
تقول إنها سوف تزود المعارضة السورية بالأموال ومعدات الاتصالات, وقد تكون
هذه الخطوة صغيرة لكنها في الاتجاه الصحيح ويبقى لحظة التمويل بالأسلحة,
لكن هذا الزحف للتدخل مازال بانتظار الوقف النهائي من الحكومة السورية
لإطلاق النار, وهذا أيضا سابقة بوسنية – وعود كثيرة وعمل قليل.
في
الواقع تحولت الثورة السورية إلى حرب أهلية, حيث قتل أكثر من9 آلاف معظمهم
من المدنيين, ولا يوجد في حسبان الرئيس السوري ما يسمى بالعودة للوراء,
لذلك فهو لن يوافق مطلقا على أي خطة فيها تسليمه للسلطة لأن هذا يعني وفاته
(ومع ذلك, فهو ربما يهرب من البلاد وعلى الغرب وقتها كبح جماحه وتقديم
لائحة اتهام بجرائم حرب).
في
اجتماعهم باسطنبول, قال الحانقون من الوضع في سوريا مثل وزيرة الخارجية
الأمريكية هيلاري كلينتون والتي أوضحت أن الأسد لم يتوافق, كما توقع الجميع
تقرييا, مع كوفي عنان لوقت القتال, "لابد أن يحاكم العالم الأسد بما يفعل
وليس بما يقول", فما يفعله حقا هو قتل شعبه من السوريين أما يفعله الآخرون
حيال ذلك فلا شيء تقريبا.
من
المؤكد أن هيلاري كلينتون هي آخر شخص في العالم تحتاج للتذكير بدروس
البوسنة, فقد كانت في البيت الأبيض عندما عكس زوجها مساره وبدأ القصف الذي
أوقف الحرب, وبعدما سمعت نفس الدعاوي ضد تسليح المعارضة وضد قصف القوات
السورية النظامية أو الوزارات الحكومية, كما سمعت نفس التحذيرات من الخبراء
الذين يخبرونك أن التشرذم بين السنة والعلويين في سوريا وأنه لا توجد
قيادة للمعارضة.
في
النهاية أطلق على الجسر الذي قتل عليه سوادا ديلبروفيتش وأولجا سوكيتش في
الوقت الراهن اسمهما, فهل سيأتي التاريخ الذي يتعلم فيه أصدقاء الشعب
السوري من الدرس البوسني ليحضروا احتفالا بنهاية الحرب وجلاء الجلاد
والطاغية.
---------------------
طالع ..المصدر
تعليقات