أزمة الهوية في إسرائيل.. انفجارٌ من الداخل
ترجمة: حسن شعيب
بعدما كان يطويهم التجاهل، ويُعَامَلون كأقليةٍ لا يؤبه بها، ويتجنبون الخدمة في الجيش، ويفضلون الدراسة الدينية على العمل، أصبح اليهود الأرثوذكس المتطرفون في إسرائيل يمثلون تحدِّيًا يواجه الدولة اليهودية.
--------------------------
.....المزيد
بعدما كان يطويهم التجاهل، ويُعَامَلون كأقليةٍ لا يؤبه بها، ويتجنبون الخدمة في الجيش، ويفضلون الدراسة الدينية على العمل، أصبح اليهود الأرثوذكس المتطرفون في إسرائيل يمثلون تحدِّيًا يواجه الدولة اليهودية.
تانيا
روزنبليت، فتاة إسرائيلية، استقلت الحافلة متوجهة إلى القدس، لكنها
فُوجِئت بأحد المنتمين للطائفة الدينية المتطرفة يطالبها بالرجوع إلى
المقاعد الخلفية, لكنها رفضت، وقالت له: "ينبغي عليك أن تخجل من نفسك
للتعامل مع الفتيات بهذه الطريقة، مضيفة: "لقد أثار غضبي لمنعي من الجلوس
في المقاعد الأمامية وكان فظًا للغاية".
الملفت
أن حادثة الفتاة الإسرائيلية تشبه إلى حد كبير ما حدث مع السيدة الزنجية
روزا باركس في الولايات المتحدة حينما كانت تعاني من الفصل العنصري في
خمسينيات القرن الماضي، وتؤكد مدى تغلغل العنصرية في إسرائيل وغضّ النظر عن
تفشي هذه الطائفة المتطرفة "الحريديم", وتشير إلى وجود خلل في التعايش بين
الإسرائيليين.
الجدير
بالذكر وجود تقارير عدة أشارت إلى أن مظاهر التضييق على المرأة وإقصائها
من الأماكن العامة والفصل بين النساء والرجال في المجتمع الإسرائيلي، وذلك
مع تنامي هذه الطائفة اليهودية المتطرفة, ما من شأنه أن يُمثِّل خطرًا على
الديمقراطية وحقوق الإنسان في البلاد، وقد تكون تحديًا أشد من الصراع مع
الفلسطينيين.
ووفقًا
لإحصائيات الحكومة الإسرائيلية فإنّ الدولة اليهودية تتَّجه نحو صراع
وتصادم ثقافي كبير، لا سميا مع زيادة معدل المواليد وارتفاع نسبة هؤلاء
المتطرفين، الذين تضاعفت نسبتهم إلى 8% خلال العشرين سنة الماضية, وهذا ما
يعني أنهم قد يُمثِّلون ثلث تعداد السكان في الخمسين سنة القادمة, ناهيك
عما لديهم من نفوذ سياسي واقتصادي في إسرائيل، فضلاً عن أن هذه الطائفة
المتطرفة تصعد تدريجيًا من هامش المجتمع إلى الوظائف الرئيسية في المؤسسات
الهامة مثل الجيش.
وينادي
"الحريديم" في إسرائيل بألا تسير النساء بجوار الرجال في الشوارع، وأن
تكون لهم أرصفة منفصلة عن أرصفة الرجال، وعدم الاختلاط بين الجنسين، كما
تزايد عدد الجنود الإسرائيليين المتدينين الذين يعارضون المشاركة في
فعاليات تُسمع فيها مغنيات من النساء.
ولم
يجد المسئولون الإسرائيليون, وعلى رأسهم الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز
ورئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ومسئولون آخرون، سوى أن يعلنوا عن استنكارهم
لممارسة سياسة الفصل ضد النساء اليهوديات أو التمييز ضدهن في الأماكن
العامة, وهذا ما يكشف بالتأكيد مدى تفاقم الصراع الفكري بين التيارين
المركزيين في المجتمع الإسرائيلي، العلماني والديني.
وأخذت
القضية منحى آخر وهو ما يتعلق باليهود الأرثوذكس والذي قال أحدهم: إن على
طائفة الحريديم تتقيد بشكل صارم بالقانون اليهودي لتصبح بذلك أكثر الطوائف
اليهودية تشددًا في إسرائيل, وتعود نشأة الحريديم إلى بداية تأسيس الكيان
الإسرائيلي حينما تَمّ تجاهله باعتباره بقايا أوربية ستزول, لكن الحريديم
استفادوا من المحسوبية السياسية لتكوين أحياء (جيتو) لهم في القدس وتل أبيب
وحي بني براك وانشغل غالبيتهم بدراسة الدين اليهودي.
والأخطر
من ذلك أن الحريديم يمثلون تحديًا على اقتصاد إسرائيل حيث تصل نسبة الرجال
الذين لا يعملون من الحريديم إلى أكثر من 60 %, يقول شاحر ايلان, نائب
رئيس منظمة غير ربحية لدعم الحرية الدينية: "هناك نزعة متعصبة وقوية داخل
الحريديم والتي ترهب الحياة الحديثة وتدعو للانعزال عنها".
ولم
تكن الفتاة الإسرائيلية, تانيا روزنبليت, التي مازلت تستقل الحافلة ذاتها
برغم تلقيها تهديدًا بالقتل من الحريديم, هي الضحية الوحيد لهذه الطائفة,
فقد قابلت إحدى العجائز الإسرائيليات موقفًا أبشع حينما بصق عليها وصرخ في
وجهها لأنها جلست في المقاعد الأمامية, لذا إذا لم يسرع التيار العلماني في
إسرائيل لكبح جماح هذه الطائفة ولو قسرًا, فإن الدولة اليهودية بانتظار
الأفظع بسبب استمرار سياسة الفصل العنصري والتي قد تفضي في النهاية إلى
زوال إسرائيل وانهيارها.
.....المزيد
تعليقات