2011.. عام أردوغان


ترجمة: حسن شعيب
 قليلٌ هم الزعماء السياسيون الذين حققوا مجدًا، واستطاعوا أن يحيطوا أنفسهم بهالات التقدير والثناء في هذا العام. وبلا منازع, استحق رئيس وزراء تركيا, رجب طيب أردوغان, أن يكون رجل هذا العام.
في هذا العام, سيطرت أحداث الشرق الأوسط على المشهد من خلال الثورات والاحتجاجات وسقوط الطغاة, وصعود الأحزاب الإسلاميّة, وفي خضم هذه الأحداث, تصدر رجب طيب أردوغان المشهد ليصبح أكثر الزعماء في العالم من حيث الفاعلية والتأثير وإثارة الإعجاب, ولا سيما أن بلاده صارت على نطاق واسع وبشكل متزايد لاعبًا دوليًا هامًا.
 في الشرق الأوسط هذا العام, انتقل أردوغان من مجرد صاحب مبادرات وغزوات مكثفة اقتصادية وسياسية إلى داعم للديمقراطية والمتظاهرين؛ ليصبح مدافعًا قويًا ومعبرًا للغاية عن حال الحركات الديمقراطية الشعبية في العالم العربي.
من جانب آخر, وكما حاز أردوغان على احترام الرأي العام في الشرق الأوسط, قُوبل بترحيب حار للغاية في الولايات المتحدة من أوباما في سبتمبر الماضي, برغم انتقاداته اللاذعة المستمرة لإسرائيل, وهذا ما أعطاه مزيد من الدعم لحربه ضد حزب العمال الكردستاني, فضلاً عن الإشادة بجهوده المبذولة في الشرق الأوسط, لدعم الديمقراطية والربيع العربي.
في العقد الماضي, تمكن أردوغان من تغيير تركيا وإحكام قبضته عليها، كما لم تفعل أي شخصية أخرى منذ أتاتورك, والذي طالما قال إنّ تركيا تحتاج إلى سائق جيد ليفادى الحفر والعراقيل في طريق التغيير, وهذا ما لم يرض أردوغان أن يفعله وحده بل زاد عليه أيضًا ردم الحفر المتبقية, وأهمها التخلص من عائق الجيش التركي, وهذا ما سمح له بإحداث تغيير سياسي واقتصادي هائل.
ولا غرو, فقد أصبحت تركيا, في عهده, أكثر تأثيرًا وفاعلية, ودولة ديمقراطية تمتاز بأحد أعلى معدلات النمو في العالم, وهذا النمو أتاح لأردوغان أن يتقدم بمهارة ومسئولية في السياسة الخارجيّة, وجعله يفوز باهتمام واستحسان معظم الكثير من بلدان العالم, مما وضع تركيا في مجموعة العشرين الاقتصادية, حتى أن تركيا بأكملها, بما فيهم خصومه السياسيين, حبست أنفاسها خلال الثلاثة أسابيع من هذا الشهر بعد إجرائه عملية جراحية مفاجئة في الأمعاء, حيث سيطرت عليهم  مخاوف واسعة ألا يكون حزب العدالة والتنمية قادرًا على إحكام سيطرته المطلقة على البلاد، ومن ثم الوقوع في الطائفية.
لذلك فليس من المستغرب أن تكون التساؤلات التي تسود المناقشات في السياسة بالشرق الأوسط على وتيرة, ما مدى تأثير النفوذ التركي في الشرق الأوسط؟ ما إمكانية تطبيق "النموذج التركي" وأسلوب قيادة أردوغان للتغيير السياسي في المنطقة؟, وذلك لما منحه أردوغان لشخصيته من مميزات معتبرة خلال جهوده في المنطقة: ومنها قدرته على تمسكه بمعتقداته الدينية القوية داخل دولة علمانية، وانتقاده النظام العالمي الحالي الذي يخدم الغرب وإسرائيل على حساب المسلمين, فصار صوت المظلومين في العالم.
ومن الناحية العملية, ركّز أردوغان على توسيع التجارة والاستثمار في أنقرة, والذي لم يعد بالنفع على تركيا فحسب, بل وإحداث تنمية اقتصادية في أماكن صعبة مثل العراق وليبيا وسوريا, ودول عربية أخرى، وفي البلقان, وزادت شعبيته في العالم العربي بسبب صراعه مع اسرائيل, والذي أصبحت تركيا بعدها لاعبًا هامًا للغاية, لن ترغب إسرائيل ولا حلفاؤها الأمريكيين في تصعيد التوتر معها.
بالإضافة إلى ذلك, أظهر أردوغان قدرة فائقة على التكيف بسرعة ومراجعة مبكرة لأخطائه في منطقة الشرق الأوسط وذلك بتغيير موقفه في مواجهة الأحداث, وعلى وجه التحديد في سوريا, بعدما كان في العام الماضي الصديق الحميم الوحيد للأسد في ظل الاحتجاجات التي شهدتها سوريا.
أما العام الجديد, فمن المحتمل أن يكون واحدًا من أصعب الأعوام على أردوغان, سواء على الصعيد الداخلي أو الخارجي, وعلى المستوى الاقتصادي, وخاصة بعدما بدأت تظهر مشاكل اقتصادية خطيرة في الأفق, حيث بلغ العجز التجاري مستويات غير عادية, وانخفاض الليرة التركية بشكل حاد, واحتمالية نقص الدخل مع الأزمة الاقتصادية التي تشهدها أوروبا, وداخليًا يسعى أردوغان لوضع دستور جديد العام المقبل, وهذا من المرجح لن يحصل على دعم كاف من الأحزاب السياسية, مما قد يعوقه في وضع حل سياسي للصداع الأكثر إلحاحًا والأكثر صعوبة، وهو وضع الأكراد في تركيا.
على الصعيد الخارجي, سيكون أردوغان في مواجهة العلاقات المتعثرة مع الاتحاد الأوروبي والجهود غير المثمرة لتسوية تقسيم قبرص, ولكن يبدو أن معظم اهتمامه  في العام القادم سيتركز على الأعمال التجارية الواسعة غير المنجزة في الشرق الأوسط وخصوصا في سوريا والعراق وإيران.
ولا ريب أن سوريا ستكون مع بداية العام الجديد هي الشغل الشاغل لتركيا, وخاصة بعد التنديد القوي للأسد, وإظهار دعمها للمعارضة السورية, وزيادة جهودها للإطاحة بالأسد لكنها مازالت مقتصرة على الترحيب, حيث أنه من المستبعد للغاية أن تستخدم تركيا قواتها لإزاحة بشار الاسد, لكن من المرجح أن تحافظ تركيا على استمرار التشاور الوثيق والشراكة مع الغرب والعالم العربي في هذا الشأن.
في العراق, ومع رحيل قوات الاحتلال الأمريكية, زادت مخاوف تركيا بشأن مصالحها الاقتصادية الضخمة هناك, فأردوغان يحاول أن يساعد على الحفاظ على أمن البلاد الآن من المنطقة الكردية في شمال البلاد وأن تظل جزءا من العراق الموحد, فالنزاع المستمر بين أردوغان وحزب العمال الكردستاني في شمال العراق يضع تركيا على خلاف مع الحكومة الاقليمية الكردية, لكنه من غير المرجح أن يشن حربا على المنطقة.
في نهاية المطاف, يبدو أن أردوغان بعد ثماني سنوات من المراهقة في السياسة الخارجية, اكتسب خبرة كبيرة  في منصبه وبسبب ترحاله المتواصل ومساعدة وزير خارجيته الطموح, مما جعله يتحرك على الصعيد العالمي دون تردد لإثبات ذاته ومكانة بلاده, وقد مكنه من ذلك الدعم السياسي القوي وأرقام استطلاعات الرأي التي ما زالت تصب بشكل مؤثر في زيادة شعبيته, وعزمه توسيع نفوذ تركيا الاقتصادية والسياسية في الشرق الأوسط وما وراءها. 
-------------------- 
طالع...
المصدر

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

النوبة .. ملاذُ السكينة على ضفاف النيل

اليمين النمساوي يطالب بحظر الرموز الإسلامية وسياسيون أيرلنديون يحثون على استيعاب المسلمين.. الأقليات المسلمة في أسبوع

اكبر حديقة ازهار في العالم.. 45 مليون زهرة وسط الصحراء