احتلال العراق.. 8 سنوات عجاف
ترجمة: حسن شعيب
طالع..المصدر
بامتياز
يعتبر احتلال أمريكا وحلفاؤها للعراق لثماني سنوات أكبر وأبشع جريمة
تُرتكب في العقد الأول من الألفية الثالثة؛ حيث جسدت قمة الانحراف
الأخلاقي، بعدما أثبتت الأدلة الدامغة كذب الادعاءات الأمريكية بوجود أسلحة
دمار شامل بالعراق، وأنها كانت مجرد ذريعة ليتسنى لهم إراقة الدماء وهتك
الأعراض.. وما سجن أبو غريب منا ببعيد.
لا
نبالغ حينما نقول: إن الحرب على العراق كانت قرارًا كارثيًا على المنطقة،
بل والعالم بأسره، ويمكن وصفه بأنه أسوأ قرار في السياسة الخارجية منذ
الحرب العالمية الثانية, وخير شاهد على ذلك ما أسفرت عنه هذه الحرب, بداية
من حجم الدمار الهائل الذي لحق بالبلاد وأعداد الضحايا من القتلى والمشردين
وغيرهم, فضلاً عن تمزيقها للنسيج الاجتماعي للعراق، ومن ثم إثارة النعرة
الطائفية والتي قد تمثل تهديدًا لاستقرار المنطقة والأمن العالمي.
من
جانبها تناولت جريدة "ذي اندبندنت" البريطانية, إسدال الستار على احتلال
العراق بعد ثماني سنوات, خلَّفت وراءها مأساة كبيرة وصورة بشعة من الدمار
يغرق فيه أكثر من 26 مليون عراقي، بجانب ما يزيد على نصف مليون عراقي حصدت
هذه الحرب أرواحهم، ومن ثم أصبح 35% من أطفال العراق أيتامًا، ونادرًا ما
تعثر على بيت ليس له شهيد أو أكثر، ناهيك عن أكثر من ثلاثة ملايين مشرد
ومهاجر، منهم حوالي مليون ونصف في الداخل والباقي في المهجر في مختلف بقاع
الأرض من الدول المجاورة وغيرها.
تروي
جريدة "اندبندنت" البريطانية ما يعانيه اللاجئون العراقيون في الداخل
وسكان المخيمات والذين طردوا من ديارهم جراء أعمال العنف الطائفى التى نتجت
عن الاحتلال الأمريكي، حيث يعيشون فى ظروف مزرية وحقول من الطين والماء
العفن داخل أكواخ مصنوعة من بقايا قطع خشبية وخرق, بينما دمرت البنية
التحتية للعراق بالكامل, فلا توجد خدمات للمياه والكهرباء، أو المجاري، كما
تدني مستوى خدمات المستشفيات والمراكز الصحية.
ولا
غروَ أن توضع العراق بوضعها الحالي بين أسوأ دول العالم، بل وربما تأتي في
بداية القائمة من حيث التردي والسوء من النواحي الإنسانية كوضع مأساوي
شامل لكل مرافق الحياة، بعد أن خُربت المدارس ودُمرت الجامعات وانعدم الأمن
والاستقرار في العديد من المناطق العراقية، وانتشار العنف والفساد في
الحياة العامة.
وحسب
التقارير الأخيرة, فإن سنوات الاحتلال الثمانية العجاف أفرزت نتائج خطيرة
للغاية, حيث يضم العراق حوالي 3 مليون أرملة و 5 مليون يتيم, بينما يعاني 28 بالمائة من أطفال العراق من سوء التغذية، و 10 بالمائة من أمراض مزمنة،
وتزايدت نسبة التشوه المزمن بين الأطفال الرضّع، وارتفعت حالات السرطان في
وقت مبكر من الحياة، بسبب استخدام الاحتلال أسلحة كيماوية أو فوق تقليدية,
كما ارتفعت نسب الوفيات بين الأطفال العراقيين حتى أصبحت هي الأعلى
عالمياً، حيث يموت واحد من كل ثمانية أطفال قبل بلوغ الخامسة من عمره.
أما
قوات الاحتلال فكان كان لها أيضًا نصيب موفور في هذه الحرب, حيث وصلت
الخسائر في الأرواح إلى ما يزيد عن أربعة آلاف قتيل من جنود الاحتلال و 30
ألف جريح, كما كلفت الخزينة الأمريكية ما يدنو من تريليون دولار، حتى عبر
أوباما الرئيس الأمريكي عن هذه الخسائر قائلاً: "لابد أن نتعلم من درس
العراق", حيث تكبد الاحتلال الأمريكي خسائر جسيمة وتلقى درسًا لن ينساه
الأمريكان في المستقبل.
وبعد
أكثر من ثمانية أعوام, تنزل الولايات المتحدة علَمها في العراق إيذانًا
بالانسحاب العسكري المعلن عنه من قبل أوباما قبل عامين, وبهذا الانسحاب
يسدل الستار على فصل دموي ورواية بشعة بدأت بأكذوبة كبيرة وخداع وتضليل من
قبل الإدارة الأمريكية في عهد جورج دبليو بوش, حيث شنت حربًا بزعم البحث عن
أسلحة دمار شامل, تبين لها فيما بعد أنها غير موجودة.
وبلا
شك فلن يكون انسحاب الأمريكان نهاية المطاف, حيث يكون مستقبل العراق بعده
على المحك, ولا سيما في ظل ارتفاع نبرة ونعرة الطائفية, مما ينذر بمواجهة
تحديات كبيرة منها قدرة القوات على حماية أمن واستقرار البلاد, أو ستبدأ
دوامة العنف التي ربما تقود البلاد إلى حرب أهلية لن تنتهي منها, أو تصل
إلى تقسيم البلاد حسب المخطط الذي وضعه الاحتلال بذرته وتركه ينمو ثم
انسحب.
---------------
تعليقات