مسلمو بلغاريا.. حينما يجلب الاضطهاد التعاطف!
ترجمة: حسن شعيب
في
السنوات الأخيرة, تصاعدت موجات الظلم والاضطهاد والتمييز تجاه المسلمين في
بلغاريا، الذين يمثلون أقلية كبيرة، يعيشون تحت وطأة المعايير المزدوجة
التي يتعامل بها الغرب مع الحريات؛ فبينما يطالبون العالم العربي والإسلامي
بمنح شعوبهم مزيدًا من الديمقراطية, فإنهم يمارسون أشد أنواع الانتهاكات
والاضطهاد ضد الأقليات الإسلامية التي تعيش بين ظهرانيهم، في سياق محاولات
مستميتة، لكنها فاشلة، لتذويب هويتهم، وإبعادهم عن عقيدتهم.
وقد
بلغت هذه الحملة التمييزية وموجات العنف العرقي والديني ضد المسلمين
مبلغها مؤخرًا، وتحديدًا في الفترة التي سبقت الانتخابات الرئاسية منذ
أسبوع, في أعقاب المظاهرات التي اجتاحت بلغاريا بهدف فضح فساد "كيريل
راشكوف" حفيد زعيم جماعة الغجر, إلا أنها (المظاهرات) سرعان ما تحولت إلى
مشاهد عنف، وقام المتمردون بمهاجمة الأقليات العرقية والمسلمين، ثم مداهمة
بعض المساجد بالعاصمة البلغارية صوفيا، وثاني أكبر مدنها بلوفديف.
وبرغم
أن هذه المداهمات لم تكن الأولى من نوعها, بل اعتاد المسلمون في بلغاريا
مواجهة هذه الحملات التي يتولى كِبرها الأحزاب اليمينيَّة المتطرفة، إلا أن
موجات العنف هذه المرة تعد الأشرس, وهو ما دفع تجمعًا ضخمًا لعدد من
الرموز السياسية والمواطنين البلغاريين إلى التنديد بالمداهمات الوحشية
التي تعرض لها مسجد بانيا باشي، أحد المساجد التاريخية، بعد مظاهرة انتهت
بإضرام النيران بسجاد المسجد وإلقاء الحجارة على المصلين، من قبل أنصار حزب
"أتاكا" اليميني المتطرف، احتجاجًا على رفع الأذان عبر مكبرات الصوت.
ولأن
بلغاريا تقع في أطراف أوربا الشرقية, فهي بلا شك ليست بمنأى عن موجات
الإسلاموفوبيا التي تنتشر في الغرب, فوق ما أكده بعض المحللين, لكنها تعد
مفاجئة وصادمة للعديد من الشعب البلغاري, الذي طالما تفاخر بتاريخ بلاده
المفعم بروح التسامح الديني عبر عصوره المختلفة.
من
جانبه, قال مفتى بلغاريا, الدكتور مصطفى حاجي, وزعيم الجالية المسلمة
هناك: "هذه الأحداث لم تكن متوقعة على الإطلاق، وقد خلقت حالة من التوتر في
الأوساط الإسلامية والمسيحية التي لم تعهد هذه الأجواء الخبيثة من قبل".
واستطرد
حاجي قائلًا: "إننا لم نعهد هذه الكراهية في مجتمعاتنا من قبل، وهذه هي
المرة الأولى التي نرى فيها هذه الموجة من القومية المتطرفة التي تحمل
مشاعر الحقد والكراهية ضد الآخر"، مؤكدًا: "لا يوجد مكان في العالم تتجسد
فيه معاني الحب والتسامح الديني مثلما تتجسد في قرى جبال رودوب في بلغاريا،
حيث ترتفع المآذن على هامات أشجار الصنوبر، ويصلي المسلمون والمسيحيون
جنبًا إلى جنب".
لكن
الملفت للنظر أن (تقليعة) التمييز العنصري ضد المسلمين أصبحت بطاقة فائزة
في السياسية البلغارية، لاسيما بعد حصول حزب أتاكا اليميني المتطرف على
9.36% من إجمالي الأصوات في الانتخابات البرلمانية لعام 2009، الأمر الذي
أدى إلى اشتراكه في حكومة ائتلافية مع الحزب الحاكم الذي ينتمي إلى يمين
الوسط.
لكن
كثيرًا من الرموز السياسية ومؤسسات المجتمع المدني، بالإضافة إلى الملايين
من البلغاريين، يؤكدون رفضهم التام لإذكاء الطائفية الدينية التي قد تمزق
البلاد، وهو ما تُرجم بخفوت في شعبية الخطاب المتشدد الذي ينشره حزب
"أتاكا"، وعدم تحقيق نتائجه المرجوة لدعم عمليات إحراق المساجد والهجوم على
المصلين من قبل تيارات اليمين المتشدد، حيث قام العديد من أفراد الشعب
البلغاري بوضع الورد على المسجد، كما استنكر العديد من القادة والرموز
السياسيين هذه الهجمات، واعتبروها "حيلة دعائية رخيصة" قُبيل الانتخابات
الرئاسية، والتي شارك فيها "فولن سيدروف" زعيم حزب أتاكا، تحت شعار: "أنا
سلاحكم، وعليكم استخدامي".
بالإضافة
إلى ذلك, فقد تعرض حزب "أتاكا" المتطرف للإدانة من قبل البرلمان باعتباره
"خطرًا على الحكومة"، وبسبب اعتناقه مواقف ومبادئ تتنافى تمامًا وغريبة على
الشعب البلغاري وما يمتاز به من روح التسامح دينيًا وعرقيًا, لأن مسلمي
بلغاريا يواجهون كذلك بعض الاضطهاد والقمع لأن معظمهم من الأتراك, الذين
يرتبطون تاريخيًا بحقبة الحكم العثماني لبلغاريا.
وفي
ذات السياق, قال سائق شاحنات عمل سابقًا بأسبانيا ويدعى رمضان ويعيش في
بلغاريا في الوقت الحالي: "بلغاريا من بين أكثر البقاع تسامحًا مع المسلمين
في القارة الأوربية", مضيفًا: "في الجنوب الأسباني يتجرع المسلمون مرارات
التمييز والاضطهاد، فهم يعاملوننا بشكل مهين ويوجهون لنا أقذع الشتائم، أما
في بلغاريا فلن يحدث شيء كهذا, بعد أن كنا نحظى بالاحترام والكرامة".
وفي
نهاية كلامه قال رمضان: "لم نعهد مثل هذه الكراهية من قبل، وهذه هي المرة
الأولى التي نرى فيها موجة من التطرف تحمل مشاعر الحقد والكراهية ضد الآخر،
وبخاصة المسلمين".
-----------------------
طالع..المصدر
تعليقات