فرق الموت الروسيّة.. تعيث في تركيا اغتيالاً
ترجمة: حسن شعيب
طالع..المصدر
في
أقل من ثلاثين ثانية، وباستخدام مسدس 9 ملي مزود بكاتم صوت, استطاع رجل
واحد إطلاق 11 رصاصة على ثلاثة شيشانين أرْداهم قتلى في وضح النهار بأحد
شوارع اسطنبول المزدحمة، ليرتفع بذلك عدد الشيشانين الذين اغتيلوا في تركيا
خلال السنوات الأربعة الأخيرة إلى ما لا يقل عن ستة.
في
منتصف الشهر الماضي, شهدت مدينة اسطنبول التركيّة عملية اغتيال لثلاثة
شيشانين, عندما فتح مجهولون النار من سيارة على بيرخاز موساييف (33 عامًا)
وأحد أهم قادة المقاومة الشيشانيّة, وحارساه الشخصيين رستم التميرول وسافر
بك أميريف, ولهم صلات قويّة بدوكو عمروف, القائد الشيشاني الذي يُعتقد أنّه
وراء عدد من الهجمات ضد روسيا، وبينها تفجير مطار موسكو في يناير، والهجوم
الذي استهدف مترو الأنفاق في مارس 2010.
وبعد
إجراء الشرطة التركيّة بعض التحقيقات المبدئية, تبيّن احتمال تورط ثمانية
وكلاء للحكومة الروسيّة دخلوا إلى تركيا، واحدًا تلو الآخر، لتنفيذ عملية
الاغتيال, وهذا ما أشارت إليه جريدة "ذي اندبندنت" البريطانيّة، حيث تحدثت
عن وجود تقارير تؤكد إرسال فريق من عملاء المخابرات الروسية لتعقب معارضي
الكرملين في البلدان الأخرى وعلى رأسها تركيا.
أما
السلطات التركيّة فتشتبه في تورط الحكومة الروسية في اغتيال الشيشانين,
بالإضافة إلى توجيه أصابع الاتهام إلى القوات الروسيّة الخاصة في حوادث قتل
سابقة، بيْدَ أن القتلة كانوا محترفين للغاية فلم لم يتركوا أي آثار خلفهم
ـ سابقًا ـ, لكنهم هذه المرة خلّفوا بعض القرائن التي تُظهر أن الخطة تم
تدبيرها بعناية داخل روسيا، ونفذها عدد من وكلائها.
وحسب
الإعلام التركي فإنّ المدعو ألكسندر زاكروف, 55 عامًا, عميل للمخابرات
الروسيَّة, هو أحد المشتبه بهم الرئيسيين في تنفيذ عملية الاغتيال تلك, حيث
قامت القوات الخاصة التركيَّة بمداهمة غرفته في الفندق بعد ثلاثة أيام من
عملية الاغتيال, لكنه فرَّ هاربًا قبلها بدقائق معدودة, وقد عثرت في الغرفة
على سلاح ومناظير للرؤية الليلية وجواز سفر, يُفيد بأنّه دخل إلى تركيا
سائحًا في الشهر الماضي, وأنّه كان في اسطنبول أيضًا في فبراير 2009 عندما
قُتل شيشاني آخر بالرصاص.
من
جانبها قالت صحيفة "ديلي تلجراف" البريطانيَّة: إنّ روسيا أنشأت "كتيبة
الموت" لاغتيال "أعداء الكرملين" بالخارج, مضيفةً أنّ روسيا شكّلت في عام
2004 وحدة أمنية خاصة لملاحقة المقاومين والمعارضين للكرملين في أوروبا،
وإجبارهم على العودة إلى روسيا أو اغتيالهم في حالات محددة، وفقًا لأوامر
القيادة.
كما
أشارت الصحيفة البريطانية إلى إمكانية ضلوع هذه الوحدة في عدة عمليات
اغتيال, ومنها تسميم العميل السابق للمخابرات الروسيّة الكسندر ليتفينينكو
في لندن، واغتيال الشيشاني سليم يامادايف، القائد السابق لكتيبة "فوستوك"
في دبي، واغتيال قائد سابق للمقاومين الشيشان في قطر، وتم اغتيال الثلاثة
بزعم تورطهم في تدبير تفجير مطار "دوموديدوفو" في موسكو.
وتأكيدا لهذه التكهنات, قال أندريه سولداتوف,
أحد خبراء التحليل الأمني في روسيا: "إنّه من المرجح للغاية أن تكون روسيا
وراء عملية الاغتيال تلك, لأنّها تُعيد للأذهان عملية اغتيال سليم خان
ياندربييف, في قطر, وقد استطاعت السلطات القطريّة القبض على اثنين من عملاء
المخابرات الروسيَّة لتورطهم في عملية القتل".
وأضاف
سولداتوف: "تاريخيًا, تستخدم الدول مثل هذا النوع من عمليات الاغتيال
للقضاء على المعارضين لها, ليس هذا فحسب، بل ولتغيير موقف الدول التي تجري
فيها عمليات الاغتيال", مضيفًا: "كما يُظهِر التاريخ أن هذه العمليات, قد
تجعل تلك البلدان أكثر استعدادًا لتلبية المطالب".
وأضافت "ديلي تلجراف": قد
تكون روسيا استخدمت عمليات الاغتيال للضغط على الأتراك وإجبارهم على
الاستجابة لمطالبها، وتسليم ما لديهم من قيادات المقاومة الشيشانية، ولا
سيما مع وجود أكثر من 2000 شيشاني يقيمون في اسطنبول، بينهم 100 دخلوا
إليها العام الماضي وحده، وشارك عدد كبير منهم في القتال مع إمارة القوقاز
ضد الاحتلال الروسي، وبخاصة لاعتقاد روسيا بأنَّ التمويل المالي للإمارة
يأتي من تركيا.
كما
نقلت صحيفة "ديلي تلجراف" عن جريدة "ازفيستيا" الروسيّة، استشهادها بما
قاله مصدر أمني روسي, حيث يقول ماكسيم شيفتشينكو، خبير شيشاني في الهيئة
الاستشارية للكرملين: إنّه لا يرى أي مشكلة في تصفية هؤلاء المقاومين
للكرملين, مضيفًا: "إذا ثبت تورطهم حقًا في تفجير مطار موسكو؛ فإنّ ما حدث
طبيعي في الحرب, وبعد كل شيء، إنّ هؤلاء أعلنوا الحرب على روسيا، ولذلك فمن
المنطقي أن ترد وحداتنا الخاصة بهذه العمليات".
من جانبها, أكّدت السيدة شهادة, أرملة موساييف, الذي اغتيل في العملية الأخيرة, اضطلاع المخابرات
الروسية في اغتيال زوجها, حيث قالت: "إنَّ المخابرات الروسيّة، والتي
طالما قتلت بعض قادة الشيشان بوحشية في تركيا، أضافت فصلاً آخر للمجازر
بهذا الاغتيال الذي نُفذ في وسط اسطنبول".
وحسب
صحيفة راديكال اليوميَّة التركيَّة فإنّ الشيشانين في تركيا يخشون الحديث
عن هذه الاغتيالات، حتى لا يكونوا هدفًا للاغتيالات القادمة, مشيرةً إلى
أنّ عددهم يبلغ حوالي 200 شيشاني يعيشون في مخيمات للاجئين، وأكواخ من
الطين في حي فنربخشه في اسطنبول.
جديرٌ بالذكر أنّ الكثير من الشيشانيين نزحوا إلى تركيا بعد احتلال روسيا لجمهوريات
القوقاز الإسلاميّة، وهي الشيشان وأنجوشيا وداغستان منذ انهيار الاتحاد
السوفيتي عام 1991, وشنّها حربًا ضد المقاومة الإسلاميّة في القوقاز ما بين
1994 و1996, كما شنّت حربًا ضروسًا أخرى على الشيشان عام 1999, مما دفع المقاومة إلى شنِّ هجمات ضد الاحتلال؛ امتدت فيما بعد إلى مناطق أخرى في القوقاز, ووصلت خلال الأعوام القليلة الماضية إلى قلب موسكو.
-----------------
تعليقات