قرية الأرامل في أفغانستان


ترجمة: حسن شعيب
وسط الحروب الطاحنة التي لا تبقي على أخضر أو يابس في أفغانستان, لم تجد بعض أرامل أفغانستان أمامهن سوى إنشاء قرية خاصة بهن فوق التلال, عساهن يجدن فيها الراحة والطمأنينة والسكون.
على تل "تابايا زاناباد" كما يطلق عليه, تجد مجتمعا من الأرامل اللاتي ذقن مرارة الحروب مع أزواجهن، ولاقين الكثير من الصعوبات في توفير مسكن يأويهن, يعشن وسط كهوف متناثرة، وحصون قديمة، ودبابات صدئة، وأضرحة ملوك تاريخيين.
 على مدار العقد الماضي, قامت أرامل الحروب في أفغانستان ببناء أكواخ الطين بأيديهن على هذا التل لشرقي العاصمة الأفغانية كابل. وما ألجأهن إلى هذه الأكواخ التي تشبه القبور إلا شظف العيش، ووطأة الفقر, فضلا عن أنهن لن يجبرن على دفع مفابل لهذه الأرض, حيث تقوم الشرطة بفرض غرامة أو الحكم بالسجن على من يستولي أو يبني بيتا على الأراضي التابعة للحكومة, لذلك رأت الأرامل أن يغامرن ويخضن التجربة بذكائهن، فحضر المئات منهن إلى التل تباعا حتى تجاوز عددهن ألف أرملة, حسب ما قاله أحد عمال الإغاثة.
جدير بالذكر أن أفغانستان تعاني ويلات الحروب المتواصلة لأكثر من ثلاث عقود، ما أفرز هذا العدد الضخم من الأرامل. ورغم عدد وجود إحصائيات دقيقة، إلا أن العدد الإجمالي لهن يتراوح بين مئات الآلاف إلى 2 مليون, وبحسب تقدير الأمم المتحدة فإن نصف الأطفال في كابل يعيشوا مع أمهاتهم فحسب بعد فقدان الآباء.
ما من شك أن الأرملة الأفغانية التي لا تجد من يعولها بعد موت زوجها, تصبح الخيارات أمامها نادرة وشحيحة, في ظل عدم توفير الحكومة أو حتى الجهات المانحة شبكة أمان لهؤلاء الأرامل, اللاتي انقطع دخلهن بوفاة أرباب أسرتهن.
ونظرا لأن المجتمع يحظر على الأرامل الاختلاط والعمل خارج البيت، فقد وجدت تلك الأرامل في قريتهن الجديدة مناخا ملائما للعمل وتبادل المنافع والخدمات, رغم أن السكن الجديد لم يقدم لهن الكثير، حيث لا يزلن عانين الفقر، إلا أنهن يعشن جوا مفعما بالأخوة في المجتمع الجديد. وهذا ما تؤكده أنيسة إحدى الأرامل المسنات "لم يكن لدى السيدات شيئا حين قدمن إلى هنا, ولكننا فور وصولنا قمنا بالتعرف على بعضنا البعض وصرنا نشعر أننا أخوات".
يذكر أن الأرملة أنيسة قدمت إلى التل عام 2001 بعد سقوط حركة طالبان، وقد قتل زوجها الجندي خلال سنوات الحرب الأهلية قبل ذلك.. "منذ أصبحت أرملة وأعيش وحدي, تغيرت نظرة الناس نحوي وأخذوا يرددون أقوالا تسوءني" ومن ثم وجدت أنيسة طريقها إلى "زاناباد".
 تعيش أنيسة في قرية التل مع ابن أخيها التي سمحت النساء بتواجده معهن, وتعمل في تكسير الحجارة وتشييد جدران أكواخ الطين, وبعيدا عن أعين الشرطة, تقوم أنيسة بالبناء على ضوء القمر ليلا, ثم تحاول إخفاء عملها عن طريق تغطيته بالبطانيات, حيث تقول "إذا علمت الشرطة ستأتي وتهيل جدران البناء, لكن بمجرد أن يرحلوا سنعيد بناءها من جديد".
فوق التل, تعيش أيضا الأرملة بيبي آمنة أملة عجوز, التي تؤكد أنها تشعر بالأمن والسلام في هذه القرية النسوية التي سكنتها بعد مقتل زوجها صاحب الدكان بهجمات صاروخية في الحرب الأهلية قبل طالبان، وتشير إلى أنها تحاول أن تقوم بأعمال الخياطة وعمل السجاد, فضلا عن أنها تقوم بإعداد الطوب الطيني في القرية لبناء مساكن للأرامل الجدد.
وتضيف آمنة: "حقا, أريد أن أعمل, لا أستطيع أن أنسى عندما لم نجد طعاما لثلاثة أيام أو أربعة, إلا أنني لم أخرج للتسول, لأنني أبغض هذا الفعل".
الجدير بالذكر, أن هذا المجتمع من الأرامل يعقد اجتماعات من وقت لآخر, حيث تتعاون النساء ولو بشكل غير رسمي, ومع ذلك, فإن هذا التل لا يقدم إلا القليل من الأمان, حيث توجد محاولات مستميتة من قبل السلطات للحد من بناء المساكن غير القانونية, في حين أن الحكومة لا توفر للأرامل سوى مساعدة هزيلة لا تتجاوز قيمتها 130 دولارا.
قصص عديدة أخرى تمتليء بها هذه الكهوف، بعد أن باتت القرية الجديدة الملاذ الوحيد للأرامل، في ظل ندرة الدعم الحكومي، والمتمثل في مبلغ لا يزيد عن 130 دولارا، وبطاقة تموينية لصرف الأرز والزيت, وهو ما لا يكفيهن بطبيعة الحال. حتى إن الكثير من هذه الأرامل يجدن عزاءهن وسلواهن الضئيل في حياتهن على هذا التل الغير ملائم للحياة الآدمية, بل إن البعض منهن صرن يفضلن الموت على أن تصبح أرملة في مجتمع لا يوفر أبسط مقومقات الحياة الكريمة لمن مات عنها زوجها.

---------------------
طالع..المصدر

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

النوبة .. ملاذُ السكينة على ضفاف النيل

اليمين النمساوي يطالب بحظر الرموز الإسلامية وسياسيون أيرلنديون يحثون على استيعاب المسلمين.. الأقليات المسلمة في أسبوع

اكبر حديقة ازهار في العالم.. 45 مليون زهرة وسط الصحراء