تركيا تمد يدها للعرب
ترجمة: حسن شعيب
من
الواضح أنَّ تركيا تحاول في هذه الآونة إعادة تنظيم سياساتها في الشرق
الأوسط, وبناء جسور مع القادة الجدد في المنطقة بعد "الربيع العربي",
بموازاة تنسيق تحركاتها مع الغرب بشكلٍ مترابط أكثر مما كان عليه الحال قبل
بضعة أشهر.
ويبدو
أن فترة "المثالية" في السياسة الخارجية لأنقرة، والتي تمثلها رؤية وزير
الخارجية أحمد داود أوغلوا الطامحة، تغيرت في الوقت الحالي، الذي يتطلب
مزيدًا من الواقعية والبراجماتية, لا سيما بعد التطورات في ليبيا وسوريا.
ويبدو أن هناك ـ أيضًا ـ الكثير من المحادثات التي ستجرى بين تركيا
وإسرائيل للتغلب على التوتر المستمر بينهما منذ أحداث أسطول الحرية, نظرًا
للتقلبات الكبيرة في المنطقة.
مؤخرًا،
سافر داود أوغلوا إلى مصر وليبيا، والتقى بأعضاء الإدارات الانتقالية في
كلا البلدين, تماشيا مع حملة الدبلوماسية الجديدة التي أطلقتها تركيا. كما
استدعت تركيا أيضًا سفيرها في طرابلس, ما يعني قطع العلاقات نهائيًا مع
نظام القذافي, علاوة على أنَّ أنقرة تقدم العون الكامل في الوقت الحالي
للقيادة في بنغازي, وتمدها بالملايين من الدولارات.
الأهم
من ذلك, أن تركيا قامت بتمتين علاقاتها مع مصر, وهو أمر ذو أهمية كبرى؛
لأنَّ تركيا ومصر هما أكثر دولتين من المرجح أن يلعبا دورًا هامًا ومعتدلاً
في المنطقة برمتها مستقبلاً.
جدير
بالذكر, أنَّ لقاء القاهرة بين داود أوغلوا ونظيره المصري محمد العرابي
كان يهدف لإرساء أساس العلاقات المستقبلية، والترتيب للزيارة المرتقبة
لرئيس الوزراء رجب طيب أردوجان في وقت لاحق هذا الشهر, بالإضافة إلى النظر
أيضًا في إنشاء "مجلس أعلى استراتيجي" لتنسيق العلاقات بين مصر وتركيا.
وبرغم
أنَّ أنقرة لا تحاول تصدير تجربتها إلى القاهرة, فمن الواضح أنَّ هناك
اهتمام من الجانب المصري بـ "النموذج التركي" من حيث صياغة دستور جديد،
فضلاً عن قوانين الأحزاب السياسية والانتخابات, ناهيك عن تحرير الاقتصاد.
ويأمل الغرب أيضًا أنَّ تلعب تركيا دورًا أكثر اعتدالاً مع جماعة الإخوان
المسلمين المصرية، والتي تعتبر الفائز المرجح في أي انتخابات حرة ونزيهة في
مصر.
وفي
الوقت نفسه, تظل سوريا هي المجهول الكبير بالنسبة لأنقرة, ويُقال إنَّ
داود أوغلو قد يتوجه إلى دمشق في الأيام المقبلة, وإذا كان هذا صحيحًا,
فسوف ننتظر ما يمكن لأغلو تحقيقه في دولة ما زالت الدماء تسيل فيها،
والأحداث ملتهبة, بينما لم يقدم بشار الأسد وعودًا كاملة لتطبيق الإصلاحات،
ولكنه أبدى استعداده للاجتماع مع أعضاء المعارضة، ومحاولة العمل للتوصل
إلى اتفاق جديد يصب في مصلحة البلاد.
ولكن
نظرًا للانقسامات العرقيَّة والدينية التي عمقتها الإجراءات الوحشية
والقمعية من قبل قوات الأمن السورية, ستكون مهمة أوغلوا صعبة، والأصعب هو
كيف يخرج منها سالمًا.
وعلى
الجانب الآخر, تظهر إيران وكأنها "جارة مسببة للمشاكل" بالنسبة لأنقرة,
بداية لأن النظام الإيراني يوجه الاتهامات لتركيا للتحدث علنًا ضد الأسد,
وثانيًا بسبب تهديدات إيران بضرب قواعد الولايات المتحدة وحلف (الناتو)
شمال الأطلسي في المنطقة.
وفي
النهاية, يبدو أن تركيا، وممثلها داود أوغلو وزير الخارجية، تواجه تحديات
أكبر بكثير مما كانت تتوقعها قبل "الربيع العربي", إلا أن تطلع الكثيرين في
المنطقة بأن تلعب تركيا دورًا ايجابيًا وهامًا آخذ في الازدياد، وهذا مما
لا شك سوف يساعد أوغلوا في مسعاه.
---------------------
طالع..المصدر
تعليقات