جامعة الزيتونة.. جورجتاون الإسلامية
ترجمة: حسن شعيب
ينبغي
على مسلمي أمريكا العملُ على تبديد سوء التفاهم مع الآخر.. ولأنَّ علماء
المسلمين في أمريكا عليهم العبءُ الأكبر في إنجاح هذه المهمة، فهم بحاجة
إلى الثِّقَل الفكري، ومن الممكن لجامعة الزيتونة (جورجتاون الإسلامية)
القيام بهذا الدور الهام.
إن
نُدرة العلماء المسلمين في أمريكا شيءٌ ملموس وواضح. إنها مشكلة حقيقية
تضع حاجزًا أمام الفهم الصحيح للإسلام وعلاقته بالمجتمع الأمريكي المتقدم.
كان فيما مضى, وربما كان آخر ذلك قبل 20 عامًا, توجد أعداد كافية من
الأطباء والمهندسين وشيوخ المساجد والأئمة ليكونوا أيضًا مصادرَ للمعرفة
الإسلامية على مستوى القاعدة الشعبية. وكنا في حاجة أقلَّ بكثير إلى
العلماء في الصراع بين الأديان في ذلك الوقت، لكن الأمور تغيرت.
فهْمُ الإسلام
لقد
كنتُ مؤخرًا في مأدبة تكريم لصالح الأعمال الخيرية والطبية، وسألني أحد
زملاء زوجتي في العمل: ماذا تعمل في الحياة؟. فأجبته على الفور "أعمل:
المدير التنفيذي للجمعية الإسلامية غير الربحيَّة". فردَّ قائلاً: يا إلهي: ومِنَ الواضح أن الجواب لم يتوقعه الرجل الذي أمضى آخر 20 دقيقة في الدردشة عن الجولف وكرة القدم.
وسألني: ما الذي تقوم به الجمعية الإسلامية؟ وما الذي أقوم به من أجلها؟
فأخبرته أننا نقوم بتنظيم المساجد والمؤسسات الإسلامية الأخرى، ونعمل على
بناء قدراتها، والتعاون مع الأديان الأخرى والمنظمات الدينية في قضايا
السياسة العامة.
استمع
الرجل إلى ردِّي بشكل مهذب، وعندما انتهيْت كان لديه الحقُّ في طرْح سؤاله
التالي، حيث قال: "الإسلام ليس مجرد دين بقدر ما هو طريقة تفكير, ومنهج
حياة, أليس كذلك؟. فتعجبت:لم أكن أتوقع هذا الرد.
لقد
تحدثنا كثيرًا، وذكر لي بعضَ الأشياء التي قرأها عن ابن تيمية، وقوانين
الشريعة الإسلامية، وعدم التوافق المزعوم بين الإسلام والقيم الغربية. وما
يجعلك تندهش, أنَّ هذا الزميل لم يكن رجلَ دينٍ أو مسلم. والشيء المزعج
أنني بالكاد كان لديَّ الإمكانية في مجاراته في الحديث.
لم
نكن كذلك في الماضي. قبل عقود قليلة كان هناك مهندس مدني يُلقي محاضرة عن
الإسلام أمام مجموعة في كنيسة يشدد فيها علي العقيدة الإسلامية والآخرة
والملائكة ومريم العذراء ومعجزات السيد المسيح، وهذا كان كافيًا للمستمعين
بشعورهم أنهم يتعلمون شيئًا مفيدًا.
الأمريكيون
غيرُ المسلمين هم أكثر المشكِّكين في الإسلام. وهم بحاجة إلى معرفة مفهوم
"الوهابية". ويسألون أسئلة صعبة عن التُّقية والجهاد. وفي كثير من المرات,
يسألون عن هذه المفاهيم والتي قاموا بدراستها إلى حدٍّ ما.
تجسير الفجوة
وجامعة
الزيتونة في مدينة بيركلي بولاية كاليفورنبا ينبغي عليها أن تَسُدَّ هذه
الفجوة. فهناك مَن ينظر إلى وجود عدم توافق بين الإسلام والمجتمع الأمريكي،
والبعض الآخر يرى أن أمريكا في حالة حرب مع الإسلام، (وهذا خطأ في رأيي).
وهذه التصورات السيئة يقوم بطرحها غير المسلمين والمسلمون على حدٍّ سواء.
وهذه
الأسئلة الدينية تحتاج إلى فهمٍ عميق للإسلام وللمجتمع الأمريكي؛ فالمسلم
الأمريكي تعلَّمَ في أمريكا طبقًا لمقاييسَ صارمةٍ للتعليم الإسلامي
التقليدي من قِبَل العلماء المسلمين الأمريكان المؤهلين، وهذا أفضل للعمل
على تبديد هذه التصورات الخاطئة. ولتحقيق هذه الغاية, سيتم إنشاء جامعة
الزيتونة (جورجتاون الإسلامية), وهي كلية معتمدة من أربع سنوات لجميع
الأجناس والأديان.
أيًّا
كانت التسمية المعتمدة للمؤسسة كلية أو جامعة أو حتى معهد تعليمي, فلابد
من الحفاظ على المعايير العالية للالتحاق بها والبقاء فيها, وأن تتوفر
الإمكانية لدى معلمِيها ومدربيها لتدريب تقاليد الديانات لأنفسهم، وأن
يكون هناك, من بين الأمور الأخرى, دورة دراسية تمنح الخريجين الأمريكيين
المسلمين المهارات والمعرفة اللازمة للتعبير عن آرائهم بشكلٍ رسمي.
مثل
هذه المؤسسة ستكون مفتوحةً لغير المسلمين، وليست حصريَّةً على المسلمين،
وستكون مصدرَ قوةٍ لكل من التحق بها، من خلال التأهيل من برامجها، وخاصة من
الطلاب المسلمين اللذين يقتفون أثرَ الأئمة. إن التعرض للتفكير والتحليل
من منظور غيرِ مُتَّفِقٍ معك يمكنه أن يخلق عمقًا يُضاف إلى فهم الطلاب
المسلمين للإسلام، ويوفِّر الفرص لمعرفة المخاطر المحيطة بالإسلام عند
الاندماج في المجتمع الأمريكي.
لا
يوجد شيء غير واقعي في هذه الفكرة. فعلماء أمثال, زيد شاكر وحمزة يوسف
وعمر فاروق عبد الله لديهم المزجُ النادر بين التَّنْشِئَة الأمريكية
والتدريب الإسلامي التقليدي لتحويل هذا النوع من التعليم إلى حقيقة واقعة.
تحدياتٌ كبرى
والتحديات
الكبرى التي ستواجه المؤسسة تتمثَّلُ في تأمين التمويل الكافي الذي سيساعد
المؤسسة في الحفاظ على المعايير العالية للطلاب المتوقع التحاقُهم، والعمل
على جذب الطلاب رفيعي المستوى إلى هذا المجال من الدراسة.
ومؤسسة
كالزيتونة أو أي منظمة أخرى تأخذ على عاتقها هذا العمل الهام من بناء
المؤسسة, ستواجه اتهامات ببناء "مدرسة دينية أمريكية" على طراز تلك
المؤسسات التي تُنتج مقاتلي طالبان في باكستان وأفغانستان. إنها حقيقة
واقعيَّة أن تكون مسلمًا في أمريكا.
هؤلاء
الأفراد, بغض النظر عن كونهم مسلمين أو علماء, يصلون باستنتاجاتهم إلى
إثبات التوافق بين الإسلام وأمريكا من عدمه. مسلمو أمريكا لا يمكن أن
يستمروا في البحث عبر العالم عن العلماء الإسلاميين، فالعلماء الإسلاميون
الأمريكيون في حاجة لتَنْشِئَتِهِم وتدريبهم داخل أمريكا.
وفي
الواقع, فإن التحديَ الأكبر لهذه المؤسسة ليس الاتهامات بإقامة "المدرسة
الدينية" أو حتى جمْع الأموال للمؤسسة؛ لكن كيفية خلْق سوق العمل بعدَ
التَّخَرُّج في أمريكا للذين سيلتحقون بهذه المهنة الشريفة.
----------------------
طالع.. المصدر
تعليقات