“السياحة الحلال” في بؤرة الاهتمام العالمي
ترجمة: حسن شعيب
يقول تعالى “قل من حرَّم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا”, وإنطلاقا من هذه الآية الكريمة فقد سارعت العديد من الدول العربية والإسلامية بل وبعض دول العالم الغربي إلى توفير منتجًا جديدا في مجال صناعة السياحة الحلال.
حيث تُوفر “السياحة الحلال” وجهات يمكن أن تقصدها العائلات المسلمة الملتزمة بقواعد الشريعة، كما أنها تضمّ فنادق لا تُقدِّم الكحوليات، وحمامات سباحة، ومرافق صحية تفصل بين الرجال والنساء, وغيرها من الرحلات الجوية التي لا تُقَدَّم على متنها لحوم الخنزير، وتعلن عن أوقات الصلاة، وتعرض برامج دينية ترفيهيَّة، وتوفِّر مصاحف في جيوب المقاعد، وأماكن خاصة تتيح الفصل بين المسافرين الذكور والإناث.
نموا ملحوظا
لم يكن هذه التوجه من فراغ, لكنه ينبع مما تشهده السوق السياحيَّة الإسلاميَّة من نمو لافت في أنحاء العالم، حيث أصبحت تمثل ما يزيد عن 10% من سوق السياحة العالميَّة، وتتربع على عرش أسرع القطاعات نموًّا؛ نتيجة لنجاح بعض التجارب في عدد من الدول وحرص السائح المسلم كذلك على اللجوء للمرافق والمنشآت الملتزمة, وحسب تقرير مؤسسة “دينار ستانداراد” تحت عنوان “الاقتصاد الإسلامي العالمي” قدَّر قيمة ما ينفقه المسلمون على السياحة سنويا بـ 137 مليار دولار, ومن المتوقع أن يتضاعف هذه الرقم إلى ما إجمالي قيمته 181 مليار دولار بحلول العام 2018.
شواطئ منعزلة
وقد ضربت عدة دول نماذج رائعة في السياحة الحلال, ومنها تركيا, التي تعتبر أحد الوجهات الأكثر شعبية في السياحة الحلال، حيث تحتل المركز الثالث عالميًا في هذا النوع من السياحة, ولا زالت تركيا تسعى حثيثا لجذب أكبر عدد من السياح العرب, والذين بلغ أعدادهم 1.3 مليون زائر في عام 2013 بزيادة قدرها 54% عن العام السابق.
وهناك وعلى بعد 20 دقيقة بالسيارة من ميناء سيسمي (غرب أزمير وأحد المنتجعات الرئيسية) يقع فندق “فاميليا كلوب” وهو أحد الفنادق التي تقدم إجازة للسياح وفقا لقيم الشريعة الإسلامية, مما يعني عدم شرب الكحول أو البيرة وعدم ارتداء البيكيني أمام الرجال الأجانب عن المرأة.
كما يوفر الفندق شاطئ منفصل للسيدات, إلا أن مدير الفندق قال “نحن لا نرغم أحد على ذلك, فالنساء هي التي تقرر لكننا نرسم خطا فاصلا بين النساء والرجال في الشاطئ أو حمام السباحة”.
كما يوجد خيار آخر في هذا الفندق للنساء التي لا تريد الذهاب إلى الشواطئ المنفصلة وذلك من خلال “البوركيني” وهو مايوه السباحة المخصص للمسلمات, وهذا المايوه يشبه بزة الغواصين وصنع وفق جميع التقاليد الإسلامية, حيث يخفي جميع مواضع جسد المرأة المحظور كشفها، ويبقى مكشوفا فقط الوجه وباطن القدم وكف اليد, كما أن البوركيني لا يسمح فقط بممارسة السباحة، بل والتزلج على لوح السرفينج.
فنادق خالية من الكجول
وفي اسطنبول, يمكنك قضاء وقت ممتع في فندق “بوتيك توركي هاوس” وهو كذلك خالي من تقديم الكحوليات, كما تعلق لوحات تظهر اتجاهات القبلة للصلاة في الفندق فضلا عن السجاد المفروش في غرف المعيشة.
وعلى خليج أنطاليا, تقع مدينة ألانيا, التي تقدم سياحة الشواطئ الإسلامية الحلال, حيث تخصيص مسبح خاص للسيدات محاط بدرجة عالية من الخصوصية، حتى المصعد المؤدي إليه مخصص للسيدات، ويتم تفتيش الحقائب بدقة للتأكد من عدم وجود أي كاميرات أو هواتف محمولة.
مرقص إسلامي
ما يدعو للإستغراب ويثير التساؤلات هو افتتاح أحد المستثمرين في السياحة الحلال وهو من الأتراك كذلك, “ديسكو” أو “مرقص إسلامي” مخصص للنساء فقط ولا يقدم الخمر في منتجع أنطاليا، كما يوجد في مصر شواطئ خاصة لا يدخلها غير المحجبات أشهرها شاطئ يحمل اسم “يشمك”، وهي كلمة تركية تعني النقاب، يقع في منتجع مارينا السياحي (الساحل الشمالي لمصر).
وفي ماليزيا, افتحت نواد للرقص ما دامت لا تقدم خموراً وتضمن الفصل بين الرجال والنساء وعدم كشف النساء بطونهن، وذلك تحت مسمى “الديسكو الإسلامي”, كما يشترط عدم الاختلاط بين الرجال والنساء وعدم كشف النساء بطونهن تمشيا مع القواعد الإسلامية، حسب ما ذكره مسؤولي النادي.
معرض للطعام الحلال في موسكو
وعلى إحدى بقاع الأرض في قارة أوروبا, هناك في موسكو, يحضر منتجي ومستهلكي سوق المنتجات الحلال من سائر أنحاء العالم هذا العام, حيث يُنظم المعرض الدولي الخامس للمنتجات الحلال في الفترة من 5 إلى 8 من يونيو في أحد أضخم أجنحة مركز معارض عموم روسيا، حيث قال نائب رئيس مجلس مفتيي روسيا الشيخ روشان عباسوف “إن لدى روسيا قدارت كبيرة ليس في مجال صناعة واستهلاك المنتجات الحلال فحسب وإنما في اتباع الطرق الحديثة لذلك”.
جديرٌ بالإشارة أن معرض موسكو للحلال هو وجهة لأكثر من 200 شركة عارضة من روسيا و بلدان آخرى من جنوب شرق آسيا وإيران وباكستان وتركيا وبلدان أخرى, حيث يتكون المعرض من عدة قطاعات “الأغذية والمزروعات” و”السياحة والترفيه” و”العطور ومستحضرات التجميل” و”المطاعم” و”الصحة واللياقة البدنية” و”التعليم والنشر” و”الخدمات التكنولوجية” و”وسائل الإعلام ” و”الفنون والديكور”.
ووفقا لما سبق فقد بات من الواضح أن الدول الإسلامية قد اقتنعوا بتجربة تطبيق الشريعة الإسلامية على الطعام والاقتصاد, وبدأوا ادخاله على المرح والسياحة ولم لا, إلا أن السياحة الحلال ستبقى مفهوما مثيرا للجدل بين من يعتبرها انعزالية وبين من يعتبرها خيارا للراغبين في التقيد بأحكام الشريعة الاسلامية، لكن الأمر المؤكد أن ولوج هذا المجال سيفتح أفاقا جديدة للجميع.
تعليقات