المقاطعة الأوروبية لإسرائيل.. تؤتي ثمارها!
ترجمة: حسن شعيب
خلال قيادة سيارتك على الطريق المنحني من القدس إلى البحر الميت، تشاهد عيناك أشجار النخيل عليها أفخر أنواع التمور, حيث تزدهر في غور الأردن على حدود الضفة الغربية الزراعة الإسرائيلية، وينمو أكثر من ثلث تمور العالم, فضلا عن صادرات العنب ومحاصيل وفيرة من الفلفل والأعشاب.
ويمثل التبادل مع الاتحاد الأوروبي, شريك إسرائيل الأول في التجارة، نحو ثلث تجارتها الإجمالية، وقد كان لوقت طويل هو الوجهة المفضلة لمنتوجات غور الأردن الزراعية, ونظرا لأن هذه الفواكه والخضراوات تُزرع على أراض تحتلها إسرائيل منذ عام 1967، فإن هذا يعد مشكلة بالنسبة لعدد متزايد من المستهلكين الأوروبيين الذين يرون في شراء تلك المنتوجات دعما وتأييدا للمصادرة والسيطرة غير القانونية على أراض ومصادر مائية فلسطينية.
ويبدو أن هذه الحملة بدأ تأثيرها نشعره, حيث فقد مزارعو غور الأردن, في العام الماضي، ما يقدر بـ29 مليون دولار، أي 14 بالمائة من العائدات، لأنهم اضطروا للبحث عن أسواق بديلة لصادراتهم، مثل روسيا حيث الأسعار أكثر انخفاضاً بما بين 20 و60 في المئة, إلى جانب توقف صادرات الفلفل إلى أوروبا الغربية تماما, ومن المحتمل أن تتوقف صادرات العنب تدريجياً هذا العام بسبب ضغط المستهلكين.
بينما ظل القادة الإسرائيليون, على مدى سنوات، يُقللون من شأن المقاطعة، حيث يقولون "إن كميات أقل من التمور أو الفلفل في عربات التسوق الأوروبية لا يمكنها أن تؤثر على الاقتصاد الإسرائيلي"، ولكن خلال الأشهر الستة الماضية، أكدت مجموعة من البنوك الأوروبية، وصناديق التقاعد وشركات الهندسة والمشرعين استياءها من المستوطنات الإسرائيلية، وبدأ الزعماء الإسرائيليون يأخذون التهديد هذه المرة على محمل الجد.
من جانبه عقد رئيس الوزراء نتنياهو في الشهر الجاري اجتماعا خاصا لوزراء الحكومة لصياغة استراتيجية ضد المقاطعة الاقتصادية المتزايدة, وخلال هذا الاجتماع، دفع أحد الوزراء، على ما يقال، في اتجاه تخصيص ميزانية بقيمة 28 مليار دولار للرد على الحركة بحملات إعلامية وقانونية قوية.
والواقع أن ذلك لا يعني أن محفظة إسرائيل المالية بدأت تعاني الضغط, حيث أن الانخفاض في صادرات غور الأردن العام الماضي يشكل 0,01 بالمائة فحسب من إجمالي الصادرات الإسرائيلية لعام 2013, ولكن ثمة تخوفا من أن يكون تزايد المعارضة للسياسات الإسرائيلية مؤشراً على استياء متزايد من فكرة إسرائيل نفسها.
وفي هذا السياق، يقول يسحاق ماير الذي شغل منصب سفير إسرائيل إلى بلجيكا وسويسرا في التسعينيات: "إن العقوبات هي ما يتعين علينا نحن الإسرائيليين أن نخشاه أكثر، لأنه يعني استياء العالم", ووفقا لاستطلاع للرأي الذي أجرته هيئة الإذاعة البريطانية في 2013، فإن موقف الرأي العام الأوروبي من إسرائيل أخذ يتدهور، حيث انخفضت معدلات الرضا الشعبي بـ8 بالمائة في إسبانيا وألمانيا إلى رقم واحد, وفي بريطانيا،لا يوجد سوى 14 بالمائة فقط من المواطنين لديهم رأي إيجابي عن إسرائيل حاليا.
وطالما قوبلت السياسات الإسرائيلية بمعارضة مواطني ومشرعي الاتحاد الأوروبي على حد سواء، إلا أن الاستياء الشعبي أخذت تشكل ضغطاً متزايداً على الشركات والحكومات حتى تتخذ إجراءات ملموسة أكثر, حيث قال المواطن الهولندي ديفيد روس "إنه يدعم مثل هذه الخطوات لأن ما تحققه (هذه الحركة) هو التركيز على المشكلة بشكل أكبر"، مضيفا "أن الناس سيتساءلون: ما الذي نفعله هناك؟ إنها تجلب المشكلة إلى الشوارع".
وفي هذا الصدد, قال الناشط الحقوقي عمر برغوثي الذي ساهم في تأسيس هذه الحركة, "إن (مقاطعة صودا ستريم) الذي تعلن عنه نجمة هوليود سكارليت جوهانسون, أدت إلى توعية جماعية للجمهور في كل مكان بالطابع غير القانوني للمستوطنات الإسرائيلية والتعدي على الحقوق الفلسطينية، والأهم من ذلك، بالحاجة إلى مقاطعة الشركات التي تشتغل في المستوطنات لإنهاء التواطؤ في الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان.
في الحقيقة حاولت أوروبا على مدى سنوات استعمال الحوافز في تعاملها مع إسرائيل، حيث أزالت التعريفة الجمركية في وجه صادراتها وعززت التعاون معها في مجالات أخرى، ولكن حرب إسرائيل ضد غزة التي تحكمها حماس في 2008-2009 أدت إلى مظاهرات في أوروبا ودفعت مشرعي الاتحاد الأوروبي إلى التكيف مع المزاج الشعبي. كما كتبت كلير سبنسر، رئيسة برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مركز البحوث اللندني تشاثام هاوس في تقرير لها في أبريل 2009.
ومن جانبه، يقول دانييل ليفي، مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية في لندن، إن نشاط الشركات الأوروبية ليس رد فعل على أي عمل إسرائيلي معين، وإنما يأتي في وقت باتت فيه الشركات خاضعة للمحاسبة بشكل أكبر أمام جمعيات المستهلكين ومنظمات المجتمع المدني، سواء تعلق الأمر بانتهاكات حقوق الإنسان في مصانع النسيج البنجلاديشية أو قطع الأشجار في غابات الأمازون.
طالع...المصدر
تعليقات