مذابح رواندا.. كشف النقاب عن كابوس!


ترجمة: حسن شعيب

 في هذه الأيام قبل عشرين عامًا، أرسل قائد قوات حفظ السلام الأممية برواندا روميو ديلير برقية إلى رؤسائه في نيويورك, تعرف اليوم باسم "فاكس الإبادة الجماعية"، يوضح فيها المعلومات التي حصل عليها من مدرب عالي المستوى يعمل مع ميلشيا تابعة للنظام، محذرًا في برقيته من خطة يتم الإعداد لها تهدف إلى استئصال قبيلة "التوتسي". 

 برغم أن المجتمع الدولي استنكر رفض مسئولي الأمم المتحدة الموافقة على خطة الجنرال لقصف مخابئ أسلحة باعتباره الرفض الذي مهد الطريق لإحدى أسوأ جرائم الإبادة في تاريخ البشرية منذ الهولوكوست، فإن الأدلة التي جمعتها المحكمة الجنائية الدولية الخاصة برواندا، وما زال بعضها تحت طي الكتمان، تكشف وضعاً أكثر غموضاً وتعقيدًا. 

 بعد مرور كل هذه السنوات على مجازر رواندا، فشل المجتمع الدولي فشلًا ذريعًا في حماية شعب رواندا ووقف المجازر التي ارتكبت ضد فئة واسعة منه, وما زالت حتى هذا الوقت العديد من التفاصيل تنتظر الكشف لاستخلاص الدروس وتفادي الأخطاء في المستقبل. 

صحيحٌ أن الأدلة التي كُشف عنها مؤخرًا لا تبرئ الأمم المتحدة والحكومات الغربية من مسئولياتها، ولا تعفيها من الفشل في التحرك، فإن رواية المخبر جون بيير تظل مؤشرًا على التحديات التي تواجه محاولات فهم ما يجري في بلدان أخرى تواجه اضطرابات مثل جمهورية أفريقيا الوسطى أو جنوب السودان. 

ما زلنا نذكر أن جرائم الإبادة الجماعية التي اندلعت في رواندا كانت شرارتها الأولى إسقاط طائرة الرئيس جوفينال هابياريمانا في السادس من شهر أبريل 1994، حيث شهدت البلاد على مدى المائة يوم بعدها عمليات إبادة قامت بها ميلشيات الهوتو ضد أقلية التوتسي التي أسفرت عن مقتل ما لا يقل عن نصف مليون منهم، بالإضافة إلى عشرات الآلاف من الهوتو المعتدلين. 

بطبيعة الحال, أحاط الكثير من الجدل دوافع جون بيير وأسباب تعاونه مع قائد قوات حفظ السلام، الجنرال ديلير، ومدى مصداقية معلوماته، لا سيما بعد المعلومات الحالية التي كشفت عن اسمه الكامل وهو جون بيير أبوبكر تارتسين, والتي تعود أصوله المختلطة بين الهوتو والتوتسي، تمكن ذلك الرجل من العمل مع جانبي الصراع السياسي والإثني في البلاد. 

 كانت توقعاته بشأن وقوع مجازر جماعية في حق التوتسي على يد جماعات الهوتو كانت صادقة إلى حد بعيد، إلا أنه من جهة أخرى سعى لتضليل قوات الأمم المتحدة في عدد من النقاط، فقد رشَحت معلومات مهمة من حوار سري أجري في عام 2003 مع زوجة المخبر من قبل محققي المحكمة الدولية، فتبين أن الرجل في الفترة التي تزوج فيها، وتحديدًا في 1990، كان يعمل سائقاً لدى أحد كبار المسئولين الحكوميين في رواندا. 

 المثير للدهشة, أن زواجه من سيدة تنتمي إلى التوتسي وتحدره هو نفسه من زواج مختلط لم يمنع جون بيير من التسلق في تشكيلات النظام، لا سيما جماعة إنترهاموي، على الأقل حتى عام 1993, وفي هذه الفترة أخبر زوجته بأنه قد يضطر إلى قتلها لأن الحزب الحاكم كان يخطط لتنفيذ مجازر ضد السكان التوتسي. 

كما أطلع المخبر معاوني الجنرال ديلير في عام 1994 أنه قد طُلب منه إحصاء كل التوتسي الذين يقيمون في العاصمة كيجالي، بهدف تصفيتهم لاحقًا, مضيفا خلال حديثه إلى قوات حفظ السلام الأممية تفاصيل عن تزويد الجيش الرواندي للميلشيات التابعة له بالأسلحة، وهو ما تبين لاحقًا، إذ كشفت التحقيقات التي أجرتها المحكمة عن تسليح الجيش وتدريبه لعناصر الهوتو. 

 بيد أن القضاة لم يقتنعوا بأن الهدف كان استئصال التوتسي، كما زعم جون بيير، بدلاً من مواجهة المتمردين فقط, حيث أظهرت الأدلة التي حصلت عليها محكمة الجنابات الدولية الخاصة برواندا أن جون بيير ربما كانت له أهداف أخرى من وراء طلبه حماية الأمم المتحدة، لا سيما أنه تنازع مع قادة الحزب الحاكم الذين شكوا في بيعه أسلحة للمتمردين في بوروندي. 

بل ذهب البعض إلى أنه ربما كان عميلاً للجبهة الوطنية الرواندية التي سعت من خلاله لاختراق ميلشيا إنترهاموي". ومع أنه لا دليل يؤكد هذا الأمر، إلا أن من الواضح أنه كانت لديه صلات بأحزاب المعارضة المرتبطة بمتمردي التوتسي، وهو ما دفع محللين فرنسيين وبلجيكيين إلى الاشتباه في أن جون بيير ربما أراد تضليل قوات حفظ السلام الدولية. 

وقد أخبر الرجل كبار مساعدي الجنرال ديلير خلال لقائهم الأخير في 1994 بأنه ينوي الذهاب إلى الكونجو، لينتهي به المطاف في تنزانيا، حيث انضم إلى الجبهة الوطنية الرواندية، حسب تصريحات زوجته. وفي أواخر العام نفسه، أطلع وزير في الحكومة الجديدة التي يقودها التوتسي عائلة جون بيير أنه قد لقي حتفه في المعارك. 

وبالعودة إلى الجنرال الذي أرسل برقيته التحذيرية إلى نيويورك، فقد أكد أنه تصرف بناء على معلومات المخبر وانطلاقًا من حدسه الخاص بأن شيئًا رهيبًا ربما يكون على وشك الوقوع، ولذا شعر بأنه يتعين على قوات حفظ السلام التي يقودها في رواندا التحرك لفرض سلطتها، إلا أن رؤساءه كانوا بحاجة إلى أدلة أكثر إقناعًا، لينتهي الأمر بخطأ جسيم كلف أكثر من نصف مليون قتيل وتوجيه ضربة قاسية لمصداقية الأمم المتحدة والمجتمع الدولي.

طالع ...المصدر

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

النوبة .. ملاذُ السكينة على ضفاف النيل

اليمين النمساوي يطالب بحظر الرموز الإسلامية وسياسيون أيرلنديون يحثون على استيعاب المسلمين.. الأقليات المسلمة في أسبوع

اكبر حديقة ازهار في العالم.. 45 مليون زهرة وسط الصحراء