الغرب وسوريا.. دموع التماسيح!
ترجمة: حسن شعيب
ألم يعد من الأصلح أن نُوقف دموع التماسح حيال ما يحدث في سوريا, إن كان هناك أمر أكثر إثارة للغثيان من منشآت التعذيب التي أقامها الأسد, فهو الغضب والرعب المصطنع الذي قوبل فيه اكتشافها, فكما كانت أمام العالم في العام الماضي فرصة لبعث إشارة إلى نظام الأسد, كان أمامه في الواقع كذلك فرصة لإرسال إشارة إلى نفسه.
لقد أتيحت هذه الفرصة بمواجهة الحكومة السورية باستخدامها الأسلحة الكيماوية ضد مواطنيها وموت الأطفال خنقا حتى الموت في أسرتهم, وكان ينبغي علينا فرصة لاتخاذ موقف معين, صحيح أنها لم تكن فرصة لإيقاف المجزرة بين عشية وضحاها أو إسقاط الأسد ونظامه, لكن على الأقل إرسال رسالة مفادها "نحن نراك".
على الرغم من أن طواحين العدالة تتحرك ببطئ, إلا أنها تطحن متجاوزة الصغار, لكننا اخترنا أن لا نبعث بأي إشارة , أو أن نؤشر على وجود علامة ما, وعوضا عن ذلك اعتقدنا أنه من الأفضل إذا دفنا رؤوسنا وهربنا إلى الماضي. بالطبع, الأمر لم يكن كذلك تماما. كان لدينا نقاش أولا.
وكان نقاشا دقيقا جدا, خلال الجدل, طرحت عدد من الحجج والأسئلة المعقدة من قبل أولئك الذين يعارضون التدخل العسكري, وتساءل الناس "إذا قمنا بذلك مرة أخرى, ما هي استراتيجية الخروج التي نملكها؟", وكما نعرف الآن, وبينما كانوا يقومون بذلك, كان هنالك في بطون إحدى منشآت الأسد طاحنة اللحوم البشرية لفائف من أسلاك الفولاذ تلتفت حول عنق ضحية جديدة. بيد أن سؤالا آخر كان يطرح نفسه:
"ما هي طبيعة الأهداف؟", وبينما كان السؤال يطرح, كانت الأسلاك الفولاذية تزداد قوة حول عنق الضحية, كما قال الحكماء من الرجال والنساء الذين وقفوا ضد الاندفاع نحو الحرب "إننا بحاجة إلى المزيد من الوقت, كما إننا بحاجة إلى المزيد من الأدلة", وفي الوقت الذي كانت هذه الكلمات تخرج من شفاههم كان المزيد من ضحايا الأسد يغلقون أعينهم للمرة الأخيرة. من المؤكد أننا نعلم ما هي الرسالة التي أرسلت نتيجة فشلنا, حيث كان مفادها "إنهم لا يكترثون", فهم لا يكترثون حتى لو أطلقت الغاز السام على الأطفال, ولا يكترثون إن قمعت شعبك, كما لا يكترثون إن سحلت بعضا من معارضيك في الشوارع ورميت بهم في الأبراج المحصنة وأخفيتهم عن العيون.
يبدو أن الأسد كان على, فالغرب لا يكترث, ولكنه يزعم أنه مهتمٌ بما يجري, فقد كتب إد ميليباند, عقب التصويت بمعارضة خطط الحكومة البريطانية في توجيه الضربة العسكرية قائلا "سوف يكون هناك أشخاص يعتقدون أن التصويت الذي حصل في مجلس العموم يعني أن بريطانيا لا يمكن أن تصنع الفارق لصالح المدنيين الأبرياء في سوريا الذين يعانون من هذه الكارثة الإنسانية, وهذا لا أتفق معه, فأومأ الجميع بالموافقة, وقلنا لأنفسنا "نعم, هناك الكثير من الأمور التي يمكننا القيام بها".
لكن الحقيقة هي أنه ليس هناك ما يمكن أن نقوم به, وهذا الأمر لم يزعجنا حقا, وفضلنا أن لا نفعل شيئا, وفضلنا "حماية أبنائنا", كما فضلنا حماية الشرق الأوسط من المزيد من المغامرات, وفضلنا حماية ضمائرنا من عراق أخرى. لكن كفانا أكواما من النفاق على رأس تنازلنا البشع عن المسئولية, ليس هناك المزيد من التحرك, وليس هناك ما يمكن القيام به, لأننا في الحقيقة لا نريد القيام بأي شيء, نعم نحن لا نريد مشاهدة الرعب في سوريا, ونريد للأسد أن يختفي, ولكننا في نفس الوقت نريد لشخص آخر أن يقوم بهذه المهمة نيابة عنا, حتى يمكننا العودة لتهنئة أنفسنا بالجهد الذي بذلناه لتحقيق السلام.
البارحة, رأيت بعض الأشخاص يدعون لمحاكمة الأسد لارتكابه جرائم حرب, كما رأيت جون كيري يصر مرة أخرى على أن الأسد يجب أن يتنحى ويترك سوريا, ربما أكون مخطئا حيال ذلك, ولكن من غير المرجح أن يذهب الأسد إلى أي مكان ما لم يحصل على ضمانات قوية حول حصوله على الحصانة الشخصية من أي ملاحقة قضائية في المستقبل.
وفي هذه الأثناء فإن في حوزته فعليا بعض الضمانات المهمة, مثل فيما لو أنه لم يسلم نفسه طواعية للعدالة, فإننا لن نذهب ونجلبه مكرها. وإن لم يترك سوريا مختارا, فإننا لن نجبره على ذلك, عندما يلف أتباعه الأسلاك الفولاذية حول عنق ضحية جديدة فسوف نقول كم أن الأمر مرعب, ثم نقف بعيدا ونسمح له بتضييق الخناق على عنق الضحية. في الواقع أنه كانت أمامنا فرصة للوقوف ضد الأسد العام الماضي, وضد أسلحته الكيماوية وضد التعذيب, إلا أننا أدرنا ظهورنا لكل ذلك, لذلك كفانا مزيد من دموع التماسيح, كما لا نحط من قدر أنفسنا أكثر بالادعاء أن الأمر يهمنا حقا
طالع ..المصدر
تعليقات