فرنسا.. تفشي معاداة المهاجرين


ترجمة: حسن شعيب 

صحيحٌ أن عام 2013 لا يمكن اعتباره احتفالًا فقط بالذكرى الــ 50 بالسير إلى واشنطن ولكنه كذلك الذكرى الـــ 30 للمسيرة إلى باريس.
قبل ثلاثين عامًا شارك شباب فرنسيون من أصل عربي جاءوا من المدن الكبيرة إلى مدينة النور (باريس) للاحتجاج ضد العنصرية والتمييز, حيث أُطلق على الحركة "مسيرة المساواة ومناهضة العنصرية" إلا أنها أصبحت تُعرف على نطاق واسع باسم (مسيرة الشباب العربي).
بيد أن تصرفات الشرطة ضد سكان في منطقة فينزو الفقيرة في مدينة «ليون» المترفة في صيف عام 1983 أدت إلى تصاعد الأحداث لتصبح انتفاضة اجتماعية, برغم أنه في عام 1981 انتخب الرئيس فرانسوا ميتران مدعومًا بأكثر البرامج تقدمية في التاريخ المعاصر, كما علق الليبراليون والمهاجرون من شمال أفريقيا آمالًا كبيرة عليه، لكن تبين أن آمالهم تتبدد سريعاً.
عندما احتشد عمال مصانع رينو المملوكة للدولة لصناعة السيارات ومعظمهم من أصل جزائري, لم يكترث رئيس الوزراء, بيير موروا, بهم قائلًا "إنهم مُغرر بهم من الإسلاميين المتشددين, وكان الوقت ملائماً للتصعيد إما في صورة أعمال عنف من جيل كامل من الشباب الذين لم تترجم جنسيتهم الفرنسية الرسمية إلى اندماج اجتماعي حقيقي في الإسكان والعمل والتعليم أو في صورة تعبير سلمي عن عزلتهم.
ومن خلال مساعدة قس كاثوليكي وشبكة من المنظمات الشعبية بدأت المسيرة يوم 15 أكتوبر عام 1983 في اتباع لنهج غاندي ومارتن لوثر كينج, وطالب المشاركون في المسيرة ببطاقة خضراء لمدة عشر سنوات، وبالحق في التصويت على المستوى المحلي للسكان الأجانب، لكن مطلبهم المحوري تمثل في الاعتراف الكامل بجنسيتهم بالتساوي في الفرص.
فقد ألقت ذكريات حرب الجزائر وتركتها الثقيلة بظلالها على حياة آبائهم، ووجد الشبان أنفسهم يتعرضون لعقوبة مزدوجة، فهم يدفعون ثمناً للاندماج، وما استتبعه من إحساس بقطع الجذور عن أسلافهم الذين مازالوا مرتبطين ببلدهم الأم، وحتى هذه الكلفة لم توفر لهم الحد الأدنى من الحقوق المكفولة لهم باعتبارهم مواطنين فرنسيين بالميلاد.
برغم أن المسيرة تحركت من مارسيليا, والتي قُتل فيها طفل في منطقة سكان المحرومين من الحقوق فقد سادها جو من البهجة والاعتزاز المدني, وقد انضم إلى المسيرة, في الطريق إلى باريس، آلاف الأشخاص من أبناء المهاجرين، وأيضاً من المتعاطفين من الفرنسيين الذين أزعجهم صعود جين ماري لوبان الشعبوي اليميني المتطرف الذي بدأ خطابه العنصري يلقى تأييداً.
كما أن الاستياء انتشر بعد أن تمت مهاجمة جزائري بوحشية وقتل في قطار دون تدخل من الركاب, وعندما بلغ المحتجون باريس، تحولت المسيرة التي بدأت بحفنة من الشباب العربي إلى موكب قوامه 100 ألف شخص, وقد استقبلهم ميتران في قصر الأليزيه ووعد بالاستجابة لمطالبهم.
ويبدو أن الأمل يحدو المحتجين بأن العنصرية سيجري معالجتها على أعلى مستوى
لكن بعد ذلك بعام نظمت ناشطة شابة تدعى فريدة بلغول مسيرة أخرى إلى باريس مطالبة بنفس المطالب وأعلنت بوضوح قلقها من أن الحركة المعارضة يتم احتواؤها من الحكومة الاشتراكية, حيث كان ميتران بالفعل يناور الجبهة الوطنية، حزب لوبان، حيث أعطاها مساحة سياسية ربما ليقسم تحالفات الجناح اليميني ويشل حركتها.
كما ثبت صدق مخاوف بلغول عندما تم تدشين جماعة ممولة من الحكومة وتلقى رعايتها عشية المسيرة الثانية للشباب العربي, ومن المثير للانتباه أن رئيس الجماعة، هارلم ديزير، لم يكن من أصل عربي أو مسلم بل كان مقربًا من الأغلبية الحكومية, وجذبت الجماعة الرائدة انتباه الجمهور على الفور بشعارها "لا تلمس صديقي".
تعهد معظم من اعتنقوا هذه العبارة المناهضة للعنصرية صادقين بالتخلص من التمييز ضد الفرنسيين الملونين, لكن خلف الستار استحوذت السياسة التقليدية على المبادرة الشعبية وعجز كثيرون من المشاركين الأصليين في المسيرات عن منع الخلافات الداخلية والانقسامات.
والأهم من هذا أن ذكرى التحمس الديمقراطي لديهم لم يرثها أبناؤهم الذين يواجهون وضعًا يتزايد سوءًا دومًا بعد مرور ثلاثة عقود على المسيرة, حيث تشير بيانات في الآونة الأخيرة إلى أنه إذا كان احتمال تعرض المهاجرين للبطالة مثلي احتمال حدوث ذلك للفرنسي من أهل البلاد، فأبناء المهاجرين الذين ولدوا في فرنسا أكثر عرضة للبطالة من آبائهم.
وبرغم مرور ثلاثين عاما على مسيرة الشباب العربي ما زالت صورة فرنسا قاتمة, فقد جاء إلى السلطة رئيس اشتراكي آخر، هولاند، وسياسته في التقشف بالإضافة إلى عوامل أخرى تغذي التصاعد الكبير في معدل البطالة والتأييد الشعبي غير المسبوق لـ«الجبهة الوطنية» وأفكارها المتطرفة.
وتشير استطلاعات الرأي التي أُجريت في الآونة الأخيرة إلى أن 70 بالمائة من السكان يعتقدون أن هناك عددًا زائدًا عن الحد من المهاجرين في فرنسا ومع تقلص الأموال المخصصة لشبكة الرعاية الاجتماعية التي تقدمها الدولة يقولون إن فوائد الرعاية يجب ألا تقدم إلا للمستحقين.
كثيرا ما كانت فرنسا مشاكل مع الهجرة, لكن الأمر الآن يُمثل أزمة ثقافية، وخطاب العار للجبهة الوطنية الذي بلغ ذروته يتخلل الطيف السياسي كله, وعلى خطى الرئيس السابق ساركوزي يسير وزير الداخلية الحالي مانويل فالز الذي يملأ خطبه بالاستعارات المؤيدة لسكان البلد الأصليين وبالإشارات لأولئك الذين لا يريدون الامتزاج في المجتمع.
كما وقَّعت وزيرة العدل كريستيان تاوبيرا وهي امرأة سوداء ضحية لأوصاف عنصرية بشعة مما يحرج البلاد كلها, قائلة إن "فرنسا في حاجة إلى حركة للحقوق المدنية تمتد جذورها لمسيرة 9831, الأمر ملح بسبب الحاضر شديد الإلحاح".

طالع  ... المصدر

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

عين على 1433 هـ

حجاب تركيا .. نصرٌ جديد!

ألف شخص يعتنقون الإسلام في ماليزيا خلال عام 2009