قبرص .. السعي نحو الوحدة!


ترجمة: حسن شعيب

في ميناء فاماجوستا، كان رجل الأعمال القبرصي اليوناني العامل في قطاع الفنادق والضيافة دينوس لوردوس ينظم حفلات على شرف الزوار الإنجليز من أجل بيعهم شققاً سياحية تطل على البحر الأبيض المتوسط, لكن في 1974، قسَّم التدخل التركي الجزيرة القبرصية، واضعاً بذلك حداً لنشاط العائلة التجاري، مغلقاً جزءاً من المدينة، التي كانت تعتبر من بين الأغنى في العالم خلال العصور الوسطى, حيث قال لوردوس، "إنه أصبح بين عشية وضحاها لاجئًا يملك سيارة جاغوار".
بعد أربعة عقود على ذلك، يخطط لوردوس وابنه للعودة إلى الجزيرة في وقت دفعت فيه أسوأ أزمة اقتصادية منذ التدخل القبارصةَ اليونانيين والأتراك على حد سواء إلى البحث عن طرق للخروج من الأزمة؛ وقد شجعتهما على ذلك المحادثات التي جمعت خلال الأسابيع الأخيرة بين الزعماء السياسيين للجزيرة المقسمة.
وفي هذا الصدد, قال لوردوس "إن حل المشكلة القبرصية لن يتأتى إلا إذا فُرض من الخارج، مثلما حدث مع الأزمة الاقتصادية", كما دعت حزمة الإنقاذ المالي البالغة 10 مليارات يورو (6٫13 مليار دولار) التي قدمها الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي لقبرص في مارس الماضي إلى خفض الإنفاق الحكومي وتقليص القطاع المالي الذي أدى نموه في النهاية إلى سقوط الجزيرة, وعلى غرار اليونان، ارتفع معدل البطالة في قبرص إلى مستوى قياسي بسبب انكماش الاقتصاد.
كما قال الرئيس القبرصي نيكوس أناستاسياديس "إن إعادة إحياء منطقة فاروشا التي تمثل الواجهة البحرية لفاماجوستا، والتي خلت من السياح وأضحت مهملة تحت الإشراف التركي منذ 1974، ستمثل أكبر خطوة في اتجاه إعادة توحيد شطري الجزيرة", وكان أناستاسياديس وزعيم القبارصة الأتراك درويش إروجلو قد التقيا في الخامس والعشرين من نوفمبر في المنطقة العازلة الخاضعة لمراقبة الأمم المتحدة التي تخترق العاصمة المقسمة نيقوسيا، من أجل صياغة بيان مشترك حول أهداف جولة جديدة من المحادثات.
بيد أن المحادثات أنهيت بدون التوصل إلى اتفاق؛ ومنذ ذلك الوقت، فشلت الاجتماعات في تجاوز الخلافات, وفي هذه الأثناء، ذكرت وكالة الأنباء القبرصية أن أناستاسياديس سيزور لندن مؤخرا حيث من المرتقب أن يلتقي رئيس الوزراء ديفيد كاميرون, ومن الجدير بالذكر هنا أن بريطانيا هي إحدى الدول الضامنة للدولة القبرصية إلى جانب تركيا واليونان منذ حصول الجزيرة على استقلالها من بريطانيا في عام 1960.
وتعليقاً على هذا الموضوع، قال جيمس كير- لندزي، الباحث بكلية لندن للعلوم الاقتصادية ومؤلف كتاب (المشكلة القبرصية), "هناك حوالي ستة أو سبعة مجالات مهمة، ونحن نعرف الملامح العامة للحل في كل واحد منها، ونعرف كيف سيكون شكلها؛ ولكن المشكلة تكمن في غياب الإرادة السياسية للجلوس وعقد اتفاق".
وفي الآونة الأخيرة تحدث أناستاسياديس، 67 عامًا، إلى الأمين العام للأمم المتحدة, بان كي مون, هاتفيًا لمناقشة الخطوة التالية في عملية التقارب؛ غير أنه منذ ذلك الوقت، انتقل الاهتمام إلى تركيا، التي يتصارع فيها رئيس الوزراء أردوغان مع أكبر فضيحة فساد في تاريخ البلاد, ولكن أردوغان وصف ذلك بأنه محاولة انقلاب.
وأضاف كير ليندزي "إن أي تنازل بشأن قبرص في هذه المرحلة يمكن أن يؤوّل على أنه مؤشر واضح على الضعف السياسي"، مشيرا إلى أن هذه آخر رسالة يريد أردوغان إيصالها", لكن الأمل الذي يساور السياسيين القبارصة اليوم هو أن تساهم إعادة إحياء منطقة فاروشا، إلى جانب اكتشاف حقول غاز في شرق المتوسط، في تحسين النمو الاقتصادي الذي يمكن أن ينتشل قبرص من الأزمة الاقتصادية بشكل أكثر فعالية من وصفة الإنقاذ المالي التي وضعها الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي.
بينما قال نيكوس ميزاريتيس، رئيس مجلس إعادة الإعمار القبرصي اليوناني، الذي أنشئ للإشراف على مشاريع البناء وإعادة التوطين في حالة التوصل إلى حل، "إن إعادة بناء المنتجع ستكلف ما يصل إلى 5 مليارات يورو".
كما قالت فايونا مولن، مديرة مؤسسة "سابيينتا إيكونوميكس" في نيقوسيا "بالنسبة للقبارصة اليونانيين، ستفتح إعادة توحيد الجزيرة فرص التجارة مع تركيا، التي تعد أقرب وأكبر وأسرع سوق إقليمية نمواً، بـ 70 مليون نسمة، بينما ستتاح للقبارصة الأتراك إمكانية الوصول المباشر إلى 380 مليون أوروبي".
وأكد أناستاسياديس "أن عودة فاروشا إلى سكانها يمكن أن يغير الكثير في الوضع الحالي، حيث سيخلق ذلك الوظائف، ويعزز الثقة بين سكان شطري الجزيرة، ويدفع في اتجاه تقديم تنازلات لمساعدة طموحات تركيا في الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، وهي تبقي على 30 ألف جندي في شمال الجزيرة حاليا".
من جانبه قال دينوس لوردوس "إن من شأن فتح فاماجوستا أمام التطوير، إلى جانب تبني تدابير لتعزيز التجارة والربط الطاقي، أن يمثل طريقة لبناء الثقة بين الجانبين", مؤكدا عبر البريد الإلكتروني "إن هذه الأمور سهلة نسبيًا وتكلفتها السياسية منخفضة, وأن المثل الصيني القديم الذي يقول إن رحلة الألف ميل تبدأ بخطوة واحدة, إن هذه هي الطريقة الوحيدة لحل المشكلة القبرصية".

طالع ..... المصدر

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

النوبة .. ملاذُ السكينة على ضفاف النيل

اليمين النمساوي يطالب بحظر الرموز الإسلامية وسياسيون أيرلنديون يحثون على استيعاب المسلمين.. الأقليات المسلمة في أسبوع

اكبر حديقة ازهار في العالم.. 45 مليون زهرة وسط الصحراء