ورطة البيانات الهاتفية في أمريكا!


ترجمة: حسن شعيب 

في توبيخ لاذع وقوي لعمليات جمع البيانات الهاتفية المثيرة للجدل التي تقوم بها الحكومة الأمريكية، أصدر قاض فيدرالي في واشنطن أمرا لوكالة الأمن القومي بالكف عن جمع البيانات الهاتفية بين شخصين والتخلص من أي بيانات تم جمعها حولهما من قبل.
في وقت سابق من هذا الشهر, أصدر القاضي الأمريكي, ريتشارد ليون, أمرا قضائيا بعد أن خلص إلى أن عملية جمع المعلومات، التي كانت سرية في الماضي قبل أن يكتشف أمرها، تمثل على نحو شبه مؤكد انتهاكًا لضمانات الخصوصية، التي نص عليها التعديل الرابع من الدستور الأمريكي.
وفي كثير من الحرص، أصدر القاضي ليون حكمه مع وقف التنفيذ في انتظار استئناف مرتقب من قبل الحكومة, لكنه أضاف "إنني أمنح الحكومة هنا الإشعار اللازم بأنه إذا ما تم تأييد الحكم الذي أصدرتُه (في مرحلة الاستئناف)، فإن هذا الأمر سيدخل حيز التنفيذ بشكل فوري".
جدير بالذكر أن هذا الحكم يأتي في مرحلة مبكرة نسبيًا من دعوى قضائية مدنية تتهم الحكومة بخرق الدستور الأمريكي وقانون مراقبة المعلومات الاستخباراتية الأجنبية, حيث طلبا المدعيان من القاضي إصدار أمر مؤقت للحكومة يقضي بوقف عمليات جمع المعلومات
الاستخباراتية خلال المحاكمة, ومن المؤكد أنه حتى يُصدر القاضي مثل هذا الأمر المؤقت، فإنه متأكد من احتمال كسب مدعيي القضية في النهاية.
وبرغم أن القضية قُدمت في شكل ابتدائي فقط في هذه المرحلة، فإن القاضي ليون لم يترك أي شك بشأن ميله للحكم في هذه القضية لاحقاً، حيث كتب في رأي قضائي يقع في 68 صفحة, "أنني لا أستطيع أن أتخيل انتهاكاً أكثر عشوائية وتعسفًا من هذه العمليات الممنهجة لجمع البيانات الشخصية والاحتفاظ بها باستعمال التكنولوجيا العالية حول كل مواطن تقريباً لأغراض الاستعلام والقيام بتحليلها بدون إذن قضائي مسبق.
كما كتب ليون قائلا "إن مثل هذا البرنامج يمثل، بكل تأكيد، انتهاكاً لتلك الدرجة من الخصوصية التي نص عليها الآباء المؤسسون في التعديل الرابع (من الدستور)" مشيرا إلى "أنه في الواقع ليس لدي شك في أن محرر دستورنا، جيمس ماديسون، الذي دعانا للحذر من التعدي على حرية الشعب من خلال الانتهاك الصامت والتدريجي من قبل من يوجدون في السلطة كان سيشعر بالصدمة".
يشار أن هذه القضية كانت من بين عدد من الدعاوى التي رُفعت في يونيو الماضي عقب تسريبات المتعاقد السابق مع وكالة الأمن القومي إدوارد سنودن بشأن برامج المراقبة التي تقوم بها الحكومة الأمريكية, حيث رُفعت اثنتان من هذه الدعاوى من قبل لاري كلايمان، وهو محام ومؤسس منظمة فريدم ووتش، وتشارلز سترينج، وهو والد محلل كان يعمل مع وكالة الأمن القومي وقُتل في أفغانستان عندما تم إسقاط مروحيته.
وكما أن حكم القاضي ليون يركز على السؤال الدستوري المتمثل في ما إن كانت العمليات
السرية لجمع البيانات الهاتفية تمثل انتهاكًا للخصوصية مثلما هو منصوص عليه في التعديل الرابع, مضيفا أن القاضي في ثنايا الحكم الذي أصدره إلى أن محرري الدستور كانوا يسعون إلى حماية الناس ومنازلهم وأوراقهم وأغراضهم من عمليات تفتيش وحجز غير معقولة، وخاصة المذكرات العامة التي كانت تسمح للسلطات البريطانية بتفتيش منزل بكامله بحثاً عن أدلة اتهام.
وفي هذا الصدد، قال القاضي "إن جوهر المسألة هو ما إن كان المدعيان لديهما توقع معقول بشأن الخصوصية التي تُنتهك عندما تقوم الحكومة على نحو عشوائي بجمع بياناتهما الهاتفية إلى جانب بيانات مئات الملايين من المواطنين الآخرين بدون اشتباه في وجود مخالفة للقانون، وتحتفظ بكل تلك البيانات لخمس سنوات، ثم تقوم بتحليلها والتحقيق فيها بدون موافقة قضائية مسبقة على المستهدفين بالتحقيق".
بينما أكد دفاع الحكومة أن المواطنين الأمريكيين لا يتوقعون أن تبقى بياناتهم المتعلقة باستعمالهم للهاتف سرية، مجادلين بأنهم حالما يقوم هؤلاء بمكالمة هاتفية، فإن الإشارات الإلكترونية التي تصدر وتدخل النظام تصبح في ملك النظام ولا تبقى سرية.
كما أوضح القاضي ليون أن الحكومة اعتمدت على حكم سابق صادر عن المحكمة العليا ويتعلق بأساليب المراقبة القديمة. وقال في هذا الصدد: قبل أربعة وثلاثين عاماً، عندما كان الناس يريدون بعث رسائل نصية، كانوا يكتبون الرسائل ويضعون عليها طوابع بريدية.
في عام 1320، يقول القاضي، "أصبحت لدى الناس علاقة مختلفة تماماً مع الهواتف, فـهذا التحول الكبير والسريع نحو ثقافة تركز على الهاتف الخليوي بات يعني أن البيانات الهاتفية
الخاصة بكل شخص تعكس كماً هائلاً من التفاصيل حول علاقاتهم العائلية والسياسية والمهنية والدينية والجنسية.
كما أكد "أن السجلات التي كانت تكشف في الماضي عن بضعة معلومات حول شخص ما باتت اليوم تكشف عن- فسيفساء كاملة – مشكِّلةً صورة دينامية تتجدد باستمرار حول حياة الشخص!

طالع  ... المصدر

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

النوبة .. ملاذُ السكينة على ضفاف النيل

اليمين النمساوي يطالب بحظر الرموز الإسلامية وسياسيون أيرلنديون يحثون على استيعاب المسلمين.. الأقليات المسلمة في أسبوع

اكبر حديقة ازهار في العالم.. 45 مليون زهرة وسط الصحراء