(فرنسا – أفريقيا) .. علاقات متشابكة!


ترجمة: حسن شعيب 

بعد تواتر الأخبار حول التدخل الفرنسي في الخامس من الشهر الجاري في جمهورية أفريقيا الوسطى، سألت طالبة إيطالية معلمها الفرنسي عما إذا كانت فرنسا في حالة حرب, أجابها المعلم بالنفي قائلا "إن ما يحدث هو أن فرنسا تتدخل في أفريقيا فقط في حالة حدوث اضطرابات".
ربما يكون هذا أوجز دروس التاريخ، ولكنه يُلقي الضوء على ما يعلمه سواد الفرنسيين عن تدخل بلادهم في مستعمراتها الأفريقية السابقة, فقد دأبت فرنسا على التدخل في أفريقيا منذ ستينيات القرن الماضي في غمرة جدل ومزاعم بأنها ما زالت ترى نفسها شرطي أفريقيا، وأحياناً بسبب إحساسها بالواجب الإنساني أو ببساطة لأنها القوة المستعدة والقادرة على التحرك على الأرض.
يبدو أن هذا هو الحال في أفريقيا الوسطى، حيث نشرت فرنسا 1600 جندي في وقت مبكر من هذا الشهر بموجب تفويض من الأمم المتحدة للمساعدة في إنهاء صراع اندلع بعد أن أطاح متمردون بالرئيس في انقلاب في مارس, وتدهورت الأمور سريعاً ليدخل ذلك البلد الأفريقي في عنف طائفي بين الغالبية المسيحية والمسلمين، وقتل نحو 600 شخص في أقل من أسبوعين.
ومع استمرار الجنود الفرنسيين في أداء عملهم الصعب في نزع سلاح الميلشيات بعد مقتل جنديين فرنسيين، يضغط الرئيس فرانسوا هولاند على شركائه في الاتحاد الأوروبي ليقدموا مساعدات تتجاوز الدعم والمعونات الإنسانية التي تم تقديمها بالفعل, حيث قال وزير الخارجية لوران فابيوس في البرلمان الفرنسي "من المتوقع أن قوات أوروبية أخرى لم يحددها ستصل قريباً إلى أفريقيا الوسطى".
بينما قال بول ميلي, الخبير في شؤون سياسة الاتحاد الأوروبي تجاه أفريقيا "إن طلب فرنسا المزيد من المساعدات في هذه المهمة الأفريقية التي تدخلت فيها وحدها كما فعلت في وقت سابق من العام الجاري في مالي، هو جزء من مسعاها لإضفاء الطابع الأوروبي على سياستها في أفريقيا التي بدأتها قبل 15 عاماً".
كما أضاف ميلي "أن فرنسا تدخلت عسكريًا في القارة 19 مرة بين عامي 1962 و1995, ولكن في هذه العقود قامت بهذا تحت شعار ما سمي بسياسة "فرانس-آفريك"، وهو مصطلح يصف علاقات متشابكة غامضة ذات أبعاد اقتصادية وسياسية، تؤطر المصالح الفرنسية في القارة".
بيد أن هذه العلاقات بدأت تتطور بشكل واضح في التسعينيات مع تغير المشاعر الدولية عن التدخل الفرنسي في أفريقيا، وكذلك تغيرت المشاعر في فرنسا نفسها وفي العالم الخارجي, حيث كانت حرب الإبادة الجماعية في رواندا نقطة تحول أيضاً تركت ندوباً في فرنسا بعد اتهام القوات الفرنسية بالفشل في منع المجزرة أو منع تفاقمها.
حتى الآن, ما زالت فرنسا تلعب دورًا دوليًا بارزا, ولها 8500 جندي في الخارج، غالبيتهم في أنحاء أفريقيا، بحسب أحدث البيانات لوزارة الدفاع الفرنسية, حيث تدخلت فرنسا أربع مرات في القارة منذ عام 2011، في ساحل العاج وليبيا تحت قيادة الرئيس اليميني السابق
نيكولاي ساركوزي، وهذا العام في ظل الحكومة الاشتراكية مع أولاند في مالي أولاً، والآن في أفريقيا الوسطى أيضاً.
كما يقبل الجمهور الفرنسي هذه المهام برغم تقلص الدعم للتدخل في أفريقيا الوسطى، بحسب ما أشار إليه استطلاع للرأي أجري بعد يومين من مقتل جنود هناك, حيث أشار الاستطلاع إلى أن التأييد للمهمة الفرنسية انخفض إلى 44 في المئة نزولاً من نسبة 51 في المئة في بداية الحملة، وهو ما يعكس بُعد المسافة بين البلد الأفريقي وأوروبا، وأيضًا خيبة الأمل لدى الجمهور فيما قالته الحكومة من أن المهمة ستكون سريعة وسهلة.
في مناقشة لمهمة أفريقيا الوسطى في إذاعة راديو فرنسا, قال وزير الخارجية فابيوس، إنها "مشكلة كبيرة أن تكون فرنسا هي البلد الأوروبي الوحيد الذي له وجود عسكري قادر على التدخل في أفريقيا عند نشوب صراعات", كما نشرت وزارة الدفاع الكتاب الأبيض الذي جادل بأن أفريقيا يجب أن تكون موضع اهتمام محوري للاتحاد الأوروبي.
وتأتي هذه الدعوة لتقاسم الأعباء في الوقت الذي تقلص فيه وزارة الدفاع إنفاقها, حيث اعتبرت لوبيف أن فرنسا "لديها موارد محدودة ولكنها ما زالت قادرة على استخدامها اليوم حتى إذا لم يدعم الاتحاد الأوروبي مهمة, حيث أن مساعدة جنود أوروبيين آخرين في أفريقيا الوسطى سترسي سابقة لتعاون دفاعي أعمق للاتحاد الأوروبي، ولكن عدداً من الحقائق يقيد احتمالات مثل هذا التكامل.
كما أن التنسيق العسكري بصرف النظر عن موقع الصراع يعتبر أمرًا صعبًا, فعلى رغم التعاون الاقتصادي، من الصعب تخلي بعض البلدان عن سيطرتها في القضايا الدفاعية لصالح التكتل الأوروبي, على سبيل المثال ألمانيا هي أحد اللاعبين الحذرين في السياسة الخارجية منذ الحرب العالمية الثانية، وتتلكأ في إرسال قوات إلى مناطق الصراعات، تحت أي سبب كان. 

طالع  ... المصدر

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

النوبة .. ملاذُ السكينة على ضفاف النيل

اليمين النمساوي يطالب بحظر الرموز الإسلامية وسياسيون أيرلنديون يحثون على استيعاب المسلمين.. الأقليات المسلمة في أسبوع

اكبر حديقة ازهار في العالم.. 45 مليون زهرة وسط الصحراء