جماعة "كولن" وحزب "أردوغان"


ترجمة: حسن شعيب

في الأسبوع الماضي, اعتقلت الشرطة التركية خمسين شخصًا، من بينهم ثلاثة أبناء لوزراء في الحكومة على خلفية التحقيق في مزاعم فساد تصل خيوطها إلى قلب الحكومة التركية, حيث يرى المحللون أن الاعتقالات الأخيرة تندرج في إطار محاولات استهداف رئيس الوزراء، رجب طيب أردوغان، وإدارته من قبل جماعة "فتح الله كولن" والتي تتمتع بنفوذ هام داخل جهازي الشرطة والقضاء.
بعد عام كامل من المراقبة والتتبع, جاءت عمليات المداهمة, التي قامت بها الأجهزة المختصة للتحري, والتي اعتُقل على إثرها الأشخاص المشتبه فيهم من أنقرة وإسطنبول في تهم الفساد والرشوة المرتبطة بإرساء صفقات حكومية وتخصيص أرض للتطوير العقاري، بالإضافة إلى تهم أخرى مرتبطة بتهريب الذهب.
لا شك أن هذه المزاعم التي تناقلتها الصحف التركية تشكل ضربة قوية لاستقرار حكومة أردوجان وإلحاق ضرر فادح بحزب العدالة والتنمية، لا سيما وهو مقبل على الانتخابات المحلية المقرر إجراؤها في شهر مارس القادم.
وبرغم أن أردوغان لم يتطرق لذكر التحقيق وملابساته خلال حديثه أمام حشد من مؤيديه بمدينة كونا، فإن تصريحاته استنتج منها أن ما يجري جزء من مؤامرة ضد البلاد، حيث قال "تركيا ليست جمهورية موز، أو بلداً من الدرجة الثالثة, لا يمكن لأحد سواء من داخلها أو خارجه إثارة القلاقل، أو نصب شرك لتركيا".
جدير بالإشارة أنه قد تم اعتقال عمدة حي الفاتح بإسطنبول، مصطفى ديمير، ومعه المدير العام لبنك هالكبانك، أحد أكبر مؤسسات التمويل العقاري في البلاد، بالإضافة إلى اعتقال عدد من المسؤولين الحكوميين، وقد أكد المدعي العام لمدينة إسطنبول، توران كولاكادي، للإعلام التركي إشراف مكتبه على التحقيقات الجارية بخصوص مزاعم الفساد، مستنكفًا عن الخوض في التفاصيل لأن التحقيق ما زال جاري.
من جانب آخر, أوعز معظم المراقبون السياسيين التطورات الأخيرة إلى الصراع المتنامي بين أردوغان وحركة كولن التي تعتبر منظمة إسلامية قوية يعيش زعيمها، فتح الله كولن، في منفاه الاختياري بولاية بنسلفانيا الأميركية، والتي تمتلك شبكة من الشركات والمؤسسات الإعلامية كانت في السابق إحدى الحلفاء المقربين من أردوغان.
غير أن الصراع اندلع بسبب تراجع نفوذ عدوهم المشترك المتمثل في النخبة العلمانية ليتعمق الخلاف، وتزداد مشاعر عدم الثقة بين الطرفين، حيث زعم كولن في الفترة الأخيرة أنه غاضب من تنامي ميول أردوغان السلطوية، خاصة بعدما قامت الحكومة الشهر الماضي إلى إغلاق شبكة من المدارس الخاصة المرتبطة بالحركة، وهو ما رد عليه يوم الإثنين الماضي أحد أعضاء البرلمان عن حزب العدالة والتنمية، ومقرب من حركة كولن، بالاستقالة احتجاجاً على قرار الحكومة.
كما قال حكان سوكور, لاعب كرة القدم السابق وأحد الوجوه البارزة في حزب العدالة
والتنمية والمقرب أيضاً من حركة كولن، "إن التعامل مع أشخاص ساندوا الحكومة في كل القضايا على أنهم أعداء هو نوع من الجحود وعدم الاعتراف بالجميل", بينما قالت المحللة السياسية أتيلا ياسيلادا، "إن الصراع بين الطرفين الإسلاميين وصل إلى مرحلة اللاعودة، حيث وصلت عدم الثقة المتبادلة إلى درجة أنهما يخوضان حربا مفتوحة ضد بعضهما البعض".
كما أشارت إلى أن أردوغان لن يسمح لإمبراطورية كولن التحرك بحرية, مؤكدة أن التحقيق الجاري في تهم الفساد قد يلحق الضرر بالحكومة ويقلص قاعدتها الانتخابية قبل الاستحقاقات المقبلة سواء المحلية، أو الرئاسية التي ستجري نهاية الصيف المقبل، في إشارة قدرة أنصار كولن على التأثير في الرأي العام بسبب تواجدهم القوي في وسائل الإعلام.
بيد أن ياسيلادا رأت كذلك أن الحكومة لن تقف مكتوفة الأيدي، بل ستمارس ضغوطاً لنقل المدعين العامين المشرفين على التحقيق في القضية، وربما الدفع لإغلاق الملف وطيه نهائيًا، ثم أنها قد تطلق حملة تطهير للمسئولين الحكوميين والموظفين المرتبطين بحركة كولن".
حسبما قال صحيفة توداي زمان, ذات الصلة بحركة كولن, تتركز التحقيقات مع المسئولين الحكوميين في جزء منها على مزاعم الفساد في وزارة البيئة والتعمير ومساعي تطوير أراضي محمية، لا سيما في محيط حي الفاتح التاريخي، وكان أول من أطلق هذه المزاعم التقرير الذي أعده البرلماني المعارض، أيكوت إردوجدو، كجزء من لجنة تحقيق برلمانية، تتهم إدارة الإسكان الشعبي بأنها وراء صفقات غامضة مقابل الحصول على عقود حكومية.
بيد أن التقرير لم يحظَ بتغطية إعلامية في تركيا، واضطر مدير إدارة الإسكان الذي اعترف في
تصريحات للصحافة بوجود تجاوزات إلى سحبها، وأرجع البرلماني المعارض تجاهل الإعلام التركي للتقرير إلى أن أغلب الصحف والمنافذ الإعلامية مملوكة لشركات كبرى تربطها مصالح مع الحكومة، وهي لا تريد تعريض تلك المصالح للخطر.
بالتالي تتخوف من استعداء حزب العدالة والتنمية، هذا وتعود آخر فضيحة فساد تم التحقيق فيها بتركيا إلى 2008 حيث تورطت جمعية خيرية تابعة لحزب العدالة والتنمية في عمليات اختلاس للأموال بألمانيا، لكن الشركة التي غطت وسائل إعلامها الفضيحة أدت ضريبة باهظة وصلت إلى 2.5 مليار دولار فيما اعتبره البعض عقاباً لها من قبل حكومة العدالة والتنمية.

طالع  .. المصدر

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

النوبة .. ملاذُ السكينة على ضفاف النيل

اليمين النمساوي يطالب بحظر الرموز الإسلامية وسياسيون أيرلنديون يحثون على استيعاب المسلمين.. الأقليات المسلمة في أسبوع

اكبر حديقة ازهار في العالم.. 45 مليون زهرة وسط الصحراء