تونس .. عثرات المرحلة الانتقالية


ترجمة: حسن شعيب 

قبل أعوام ثلاثة، انطلقت شرارة الربيع العربي عندما أشعل بائع الخضراوات محمد بوعزيزي، 26 عاماً، النار في نفسه احتجاجا على القمع السياسي والفرص الاقتصادية المحدودة المتاحة في ظل نظام بن علي في تونس، مما أحدث تغييرات سياسية جذرية في أرجاء الشرق الأوسط.
بيد أن الفترة الانتقالية في تونس في الوقت الراهن تمثل آخر وأفضل فرص الازدهار الديمقراطي المتبقية من الربيع العربي, وتنعقد الآمال على تعلم تونس من التجارب الأخرى التي خرجت عن مسارها في المنطقة، لا سيما في العراق ومصر وليبيا.
في مايو عام 2003، إثر إطاحة قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة مباشرة بنظام صدام حسين البعثي، أصدر الحاكم الأمريكي العسكري السابق في العراق بول بريمر الثالث، مرسومين كارثيين وخاطئين, الأول: حل حزب البعث الحاكم واجتثاث أعضائه من مواقع السلطة والمسؤولية في المجتمع العراقي، وبمجرد توقعيه، تم تطهير النخبة العراقية، ومحو الخبرة الضرورية والقضاء على المصالحة السياسية.
أما الثاني: حل الجيش العراقي، الذي خلَّف 400 ألف جندي مسلح ومدرب بلا عمل، ومن ثم وجد كثير منهم عملًا في أنشطة التمرد واسعة النطاق, وكان كلا
القرارين خطأ فادحا، وباتا مثالين نموذجيين على كيفية الفشل في إدارة الفراغ السياسي الذي ينجم عن تغيير النظام.
كذلك، ارتكب المسئولون التونسيون، المحاطون بألوان من الإخفاقات، نماذج كثيرة لأخطاء ما كان ينبغي لهم الوقوع فيها, رغم ذلك، كانت هناك أيام حالكة السواد في الفترة الانتقالية في تونس، ففي التاسع من ديسمبر الماضي، تم إلقاء القبض على ستة أشخاص كانوا يعتزمون تنفيذ تفجير انتحاري، كما تم إحباط عملية اغتيال سياسي مزعومة.
كما قتل اثنان من السياسيين البارزين في المعارضة، إلا أن الحكومة الانتقالية التي يقودها إسلاميون في تونس تعاملت مع هذه الحوادث على أنها علامات إنذار وتكيفت مع المعطيات تبعاً لذلك, حتى أصبح السياسيون التونسيون، الذين استفادوا من الأخطاء في العراق وليبيا، أكثر شمولية، رغم محاولات مبدئية لعزل النظام القديم.
ورغم أن الحزب السياسي لـــ "بن علي" تم حله بشكل رسمي في عام 2011، فإن حركة النهضة الإسلامية علقت قانون تحصين الثورة المثير للجدل، وهو نسخة متطابقة مع قانون العزل السياسي في ليبيا, نتيجة لذلك، في حين يواجه بعض المسؤولين الحكوميين السابقين قيودًا على السفر للخارج، إلا أن أعضاء كثيرين في النظام السابق يقودون الآن أحزابهم السياسية، وربما يخوض بعضهم الانتخابات الرئاسية العام المقبل.
حتى أصبح بعض كبار الوزراء في حكومة بن علي، مثل كامل مرجان، الذي كان وزيراً للدفاع ثم للخارجية، بمقدورهم المشاركة بحرية في الحياة العامة، وهو أمر لا يمكن التفكير به في العراق أو ليبيا.
ثانيا: تفادت المرحلة الانتقالية في تونس أخطاء حل الجيش على غرار ما حدث في العراق أو تركه يعمل كما يحلو له أو الإخفاق في تشكيل جيش قادر على الحفاظ على أمن الدولة كما حدث في ليبيا. عوضا عن ذلك تعمل تونس على تعزيز جيشها وسيطرته المدنية، مع مزيد من أنشطة انتشار القوات ودوريات حدودية نشطة ونقاط تفتيش متكررة، كما أعلنت الحكومة أيضًا عن تشكيل جهاز وطني لمكافحة الإرهاب.
ثالثا: على النقيض من مصر وليبيا، كانت النخب الحاكمة في تونس تعمل من أجل حكم ائتلافي، وفي الحقيقة، أن الشعب هو من دفعهم في هذا الاتجاه عبر تظاهرات واسعة النطاق ضد المناخ الأمني المتدهور والاقتصاد المتباطئ، لكن رغم ذلك تبنى كثير من السياسيين أجندة تسوية.
خلال الأشهر القليلة الماضية، كان السياسيون يتفاوضون على تسوية شاملة مع خصومهم السياسيين الرئيسيين، بوساطة من الاتحاد العام للشغل ذي النفوذ في الدولة, وكجزء من الاتفاق، وافقت الترويكا بقيادة الإسلاميين في نهاية سبتمبر الماضي -على الأقل من حيث المبدأ- على ترك السلطة للسماح بتشكيل حكومة تكنوقراط تقود دفة البلاد نحو انتخابات جديدة.
في النهاية، في سبيل تطبيق هذا الوعد تم تعيين وزير الصناعة الحالي مهدي جمعة كمرشح توافقي لشغل منصب رئيس الوزراء, وفي حين من المستبعد أن تقتفي تونس أثر الخطوات الدامية في الدول المجاورة لها، إلا أن تحولها لا يزال بعيداً عن النهاية، فوعود التوافق والتسوية ربما تخرج عن مسارها بسبب العنف السياسي أو الإحباطات الناجمة عن تكرار تأجيل الانتخابات.

طالع  ... المصدر

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

النوبة .. ملاذُ السكينة على ضفاف النيل

اليمين النمساوي يطالب بحظر الرموز الإسلامية وسياسيون أيرلنديون يحثون على استيعاب المسلمين.. الأقليات المسلمة في أسبوع

اكبر حديقة ازهار في العالم.. 45 مليون زهرة وسط الصحراء