الهجرة تؤذي الأوطان!


ترجمة: حسن شعيب 

كثيرا ماكافح الليبراليون من أجل حقوق المهاجرين، كما ماضلت الشركات لكي تكفل حق الناس في الهجرة, وقد أنشأ مارك زوكربيرج، "مؤسس فيسبوك"، هذا العام مجموعة "إف دبليو دي. يو إس" للضغط في محاولة توحيد القضيتين من خلال طرح برنامج شامل لإصلاح نظام الهجرة في الولايات المتحدة، باعتبار هذه القضية تتعلق بالعدالة.
قال زوكربيرج "هناك عدد كبير من الناس يبلغ عددهم 11 مليون نسمة، يعاملون معاملة غير عادلة في الوقت الراهن"، وكما لو كانت دعوة زوكربيرج تبدو وكأنها دفاع عن المصالح الذاتية -حيث إن برنامجه لإصلاح نظام الهجرة ينحاز لمصالح صناعة التكنولوجيا- فإن خطابه القوي يعكس محاولة لمناشدة الليبراليين المؤيدين للهجرة الذين يفترضون أن فتح الأبواب على مصراعيها هو العمل الإنساني الذي يتعين القيام به.
صحيح أن الهجرة أمرٌ جيد بالنسبة للبلدان الفقيرة، لكنها ليست كذلك في جميع أشكالها، وبأعداد غير محدودة, حيث أن الهجرة المفيدة التي تُظهرها الأبحاث هي التي يُسافر من خلالها الشباب إلى دول تسود فيها الديمقراطية مثل الولايات المتحدة لتلقي التعليم العالي ثم العودة لبلادهم مرة أخرى, حيث يجلبون معهم المهارات التي اكتسبوها أثناء دراستهم التي تسهم في رفع إنتاجية الغالبية ممن يفتقدون إلى هذه المهارات في بلادهم.
علاوة على ذلك, تساعد اتجاهاتهم في تسريع عملية التحول الديمقراطي,على سبيل المثال، تظهر البيانات العالمية حول الطلاب من الدول الفقيرة الذين درسوا بالخارج منذ عام 1950 أن هؤلاء الذين درسوا بدول تتمتع بالديمقراطية ساهموافيإنجاز التحرر السياسي بأوطانهم، وقد ساعدت هذه العملية على تعزيز الديمقراطية عبر أميركا اللاتينية وأفريقيا وآسيا.
كما تساءل زوكربيرج فيمقال بــــ "واشنطن بوست""لماذا نقوم بطرد أكثر من 40 بالمائة من خريجي الرياضيات والعلوم من غير أبناء الولايات المتحدة بعد أن نقوم بتعليمهم؟ من وجهة نظري: مهما كان السبب، فقد تكون هذه وسيلة فعالة للغاية لمساعدة المجتمعات الأكثر فقراً.
حتى ما يبدو وكأنه استنزاف للعقول (هجرة للأدمغة) قد يكون أحياناً مفيداً, حيث أنه حينما يهاجر الأشخاص المتعلمون ويستقرون في دول أغنى، فإن الدول الفقيرة تعاني خسارة مباشرة, لكن من خلال إظهار أن الجهد المبذول لتحصيل العلم قد ينتهي بانتصار، فإنها تشجع العديد من الآخرين لمواصلة التعليم كذلك.
من المؤكد أن هجرة الأدمغة تُصبح واقعاً فحسب في حالة رحيل العديد من المتعلمين, لكن الهجرة تحدث على نطاق واسع في العديد من البلدان الفقيرة, والأفضل أن تقل معدلات الهجرة عن ذلك, وقد كانت الهند والصين أكثر الدول المستفيدة من هجرة المتعلمين، حيث أن عدد السكان في كل منهما يبلغ مليار نسمة، لذا فان عدد المهاجرين يبدو قليلاً نسبياً.
في المقابل، تمتلك الدول النامية الصغيرة معدلات هجرة مرتفع للغاية، حتى وإن كان أداؤها الاقتصادي جيداً, وعلى سبيل المثال، فإن معدل هجرة العمالة الماهرة في غانا يُعادل 12 ضعفاً مثيله في الصين, وقد هيمنت الهند والصين، مع معدلات الهجرة المنخفضة وارتفاع معدلات العائد، على الفكر العالمي عن مدى تأثير الهجرة على دول المنشأ,إلا أن التحدي التنموي الأساسي يتمثل في ما إذا كان بإمكان المجتمعات الصغيرة الفقيرة اللحاق بالركب.
ويأتي معظم الضغط من أجل المزيد من الهجرة من الجاليات التي ترغب في جلب أقاربها, ولكن الانصياع لهذا الضغط لا يكون بالضرورة أمراً إنسانياً, حيث أنجلب الأقارب إلى الولايات المتحدة يقلل الحافز لإرسال التحويلات النقدية إلى الوطن.
بيد أن الحالة التي لا تقبل الجدل لفتح الأبواب للهجرةتتجسد في توفير الملجأ لهؤلاء الذين يفرون من المجتمعات التي تعاني انهيارًا, ويتعين في الواقع على الدول الديمقراطية ذات الدخل المرتفع توفير مثل هذا الملاذ، مما يعني السماح للمزيد من المهاجرين بدخولها, لكن الحق في اللجوء لا يعني بالضرورة الحق في الإقامة.
إن الفقراء لا يستطيعون فعل شيء أكثر من الإقامة في خيمة على الحدود, لا ينبغي أن تتمثل أولوياتنا في وضع سياسات للجوء من شأنها التوفيق بين واجبنا في إنقاذ هؤلاء الناس والشواغل المشروعة للحكومات في مرحلة ما بعد الصراع للعمل على عودة أبناء الوطن القادرين على إعادة بناء بلادهم.
الشباب المشرق المغامر يمثل محفزات للتقدم الاقتصادي والسياسي, إنهم بمثابة العرابة التي تقدم المنفعة، سواء كانت مقصودة أو غير مقصودة، إلى سائر المجتمع, ونقل المزيد من البلاد الأكثر فقراً إلى الدول الأغنى بإمكانه إلقاء الضوء في العديد من المجالات,فهو بمثابة إمدادات رخيصة من المواهب.
في حين أن الهجرةتبدو لخبراء الاقتصاد كعناصر أكثر كفاءة، نظراً لأن هؤلاء الشباب قادرون على العمل في الدول الغنية أكثر من الدول الفقيرة,ومما لا يثير الدهشة أن وفرة رأس المال والمهارات تسهم في رفع إنتاجيتهم, كما يبدو الأمر بالنسبة للذين يؤمنون بالحرية الشخصية بمثابة تحرير للخيار الإنساني من ثقل السيطرة البيروقراطية.
من جانب آخر، يُفضل العديد من الناس اعتبار الأمر كأنه نوع من المساعدة التي تقدم للفقراء للهروب من الأوضاع الصعبة في بلدانهم, لكن الأمر يبدو وكأننا نغذي حلقة مفرغة، حيث تزداد الأوضاع سوءاً في الوطن الأم بسبب هروب الكفاءات منها. 

طالع ... المصدر 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

النوبة .. ملاذُ السكينة على ضفاف النيل

اليمين النمساوي يطالب بحظر الرموز الإسلامية وسياسيون أيرلنديون يحثون على استيعاب المسلمين.. الأقليات المسلمة في أسبوع

اكبر حديقة ازهار في العالم.. 45 مليون زهرة وسط الصحراء