أوكرانيا بين شقي الاتحاد الأوربي وروسيا!


ترجمة: حسن شعيب 

يبدو أن روسيا اليوم لديها اليد الطولى في صراعها مع الاتحاد الأوروبي لصياغة مستقبل أوكرانيا، فقد أعلنت الحكومة الأوكرانية قبل أيام تعليق استعداداتها للتوقيع على اتفاقية تفسح المجال للانضمام للاتحاد الأوروبي.
بعد ساعات فحسب, على رفض البرلمان الأوكراني لمقترح قانون يسمح بانتقال زعيمة المعارضة، يوليا تيموشينكو، التي تقضي عقوبة السجن، إلى ألمانيا لتلقي العلاج، حيث كان الاتحاد الأوروبي قد اشترط الإفراج عن المعارضة التي حُكم عليها قبل عامين بسبع سنوات سجيناً باعتباره حكماً مسيساً، لقبول توقيع أوكرانيا اتفاقية مع الاتحاد الأوروبي تمهد الطريق لانضمامها إليه.
بيد أن روسيا ترفض اقتراب أوكرانيا من أوروبا، وبدلا من ذلك يحث الكريملن، بل يهدد أحياناً، البلد الخارج عن ربقة الاتحاد السوفييتي السابق، بالابتعاد عن الغرب والانضمام إلى اتحاد جمركي تقوده روسيا. وكان الموعد النهائي الذي وضعه الأوروبيون لإطلاق سراح تيموشينكو هو الأسبوع المقبل، حيث كان مقرراً عقد قمة في ليتوانيا نهاية الأسبوع المقبل لتوقيع الاتفاقية مع أوكرانيا بعد التدقيق في مدى التزامها بالشروط الأوروبية.
إلا أن قرار الحكومة بتعليق استعداداتها للقمة، والتي قالت إنه جاء لدراسة تأثير ذلك على آفاق التجارة مع روسيا وضمان علاقات متكافئة مع الاتحاد الأوروبي، يضع مجمل الاتفاقية التي يفترض أن تعبد الطريق أمام أوكرانيا للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي في مهب الريح.
برغم أن أوروبا وروسيا وضعا معا الكرة في ملعب أوكرانيا لاختيار فريقها، يلوم المراقبون الاتحاد الأوروبي لاشتراطه الإفراج عن "يوليا تيموشينكو" للتوقيع على الاتفاقية، وهو ما اعتبره البعض انخراطًا أوروبيًا في سياسة حافة الهاوية التي تصلح أكثر لصراعات الماضي بين الدول والقوى الكبرى، ولم يعد لها وجود اليوم، هذا الأمر عبر عنه إيوالد بوهل, الذي يقود مركز بيرتهولد بيتزبالمجلس الألماني للعلاقات الخارجية، قائلاً "في عالمنا المعاصر الذي تطغى عليه ديناميات العولمة ما زلنا نتحدث في أوروبا بأسلوب الحرب الباردة التي سادت في القرن العشرين".
جدير بالإشارة أن الرئيس الأوكراني، فيكتور يانكوفيتش، كان قد رفض العفو عن تيموشينكو، كما طالب بذلك الاتحاد الأوروبي، لكنه من جهة أخرى وافق على سن قانون يسمح لها بتلقي العلاج في ألمانيا على أن تتعهد بالعودة لاستكمال فترة العقوبة في أوكرانيا، غير أن البرلمان الذي يغص بحلفاء الرئيس رفض تمرير ستة نسخ من القانون.
إذا ما قامت كييف بالتوقيع على الاتفاقية، فإنها كانت ستستفيد من فرص التنمية الاقتصادية التي يتيحها الانضمام إلى أكبر تكتل اقتصادي وديموقراطي في العالم، فرغم الأزمة الاقتصادية المستمرة في أوروبا تشير استطلاعات الرأي إلى أن غالبية الأوكرانيين يناصرون الانضمام للاتحاد الأوروبي، بحيث أظهر المسح الذي قامت به شركة "جي. إف. كي" أن 45 بالمائة من الأوكرانيين يؤيدون فكرة الاندماج في أوروبا، مقارنة بنسبة 15 في المئة فقط التي تفضل الاندماج مع روسيا.
إلا أن أوكرانيا لن تكون لوحدها مستفيدة من الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، بل من المتوقع أن تستفيد أوروبا أيضاً، فرغم مشاكلها العديدة وعلى رأسها تفشي آفة الفساد ستكسب أوروبا من الناحية الجيوسياسية في حال اقترابها أكثر من أوكرانيا.
في ظل الابتعاد الأمريكي عن أوروبا وسعي موسكو لتشكيل اتحاد جمركي وتحويله إلى تكتل شبيه بالاتحاد الأوروبي، تبرز أوكرانيا كدرع يحصن أوروبا من التوسع الروسي، وهو الرأي الذي يتبناه رودريك باركس, مدير البرنامج الأوروبي في المؤسسة البولندية للدراسات الدولية، إلا أن مشكلة أوروبا على ما يبدو هي تضييعها للفرصة بعدما جعلت من آفاق الانضمام للاتحاد الأوروبي أمراً لا يمكن استساغه بسهولة. أوروبا، كما يقول باركس "تدفع أوكرانيا إلى حضن روسيا, لا سيما وأن هذه الأخيرة لا تتردد في التلويح بالعصا بتأكيدها أنه "في حال كانت أوكرانيا حريصة على ضمانات أمنية من البلد الذي يمثل التهديد الأمني الأكبر، فلا بد من تحالف أوكرانيا مع روسيا".
الأكثر من ذلك يقول إيوالد بوهل "إن إصرار الاتحاد الأوروبي على إطلاق سراح تيموشينكو كان خطأ فادحا، فالمطلب الأوروبي يضع الرئيس الأوكراني في موقف صعب لأنه بالإفراج عن المعارضة يكون قد خلق لنفسه متاعب خلال الانتخابات الرئاسية المقبلة.
كما أن قصتها باتت جزءاً من الماضي ولا يجب ربطها بمستقبل البلاد؛ وفي مقابل العرض الأوروبي قدمت روسيا عرضها الخاص لأوكرانيا بعد انخراط بوتينفي ضغوط مستمرة على كييف، وهو عرض يسمح لأوكرانيا الاستفادة من خصومات مهمة على أسعار الطاقة الروسية، واستمرار الحدود المفتوحة نسبياً بين البلدين، فضلا عن إحياء الشراكات الصناعية القديمة التي كانت قائمة في عهد الاتحاد السوفييتي.
بيد أن الطريق الروسي في حال اختياره من قبل أوكرانيا يعيدها مرة أخرى إلى الدولة التي اضطهدتها في السابق لتصبح مكوناً أساسياً من الكتلة الاقتصادية التي تسعى موسكو لقيادتها، بل والانتقال بها في أفق 2015 إلى ما يشبه التحالف السياسي باسم الاتحاد الاقتصادي الأوروبي الآسيوي.
بما أن أوكرانيا كانت سلة غذاء الاتحاد السوفييتي وقلبه الصناعي النابض فإن روسيا تريدها أن تكون جزءاً من هذا الاتحاد؛ لكن موسكو لا تعتمد فقط على أسلوب الترغيب لإقناع أوكرانيا بالانضمام إلى اتحادها، بل تلجأ أيضاً إلى الترهيب والتهديد، حيث حذر الرئيس بوتين من أن العلاقات التجارية الضخمة مع روسيا ستتعرض لانتكاسة كبرى في حال قررت أوكرانيا الاندماج مع الاتحاد الأوروبي.
كما فرضت موسكو في الشهور الأخيرة حظرًا على صادرات أوكرانيا من الشوكولاته، وهددت بإرغام كييف على دفع سعر وارداتها من الطاقة مسبقاً، ويوضح فاديم كاراسيوف, مدير معهد الدراسات الدولية المستقل في كييف، موقف روسيا بقوله: "تنظر روسيا إلى التحالف الاقتصادي بين أوروبا وأوكرانيا على أنه تحد خطير، وتهديد كبير لخططها الرامية لاستعادة المجد الروسي الضائع خلال الولاية الثالثة لفلاديمير بوتين". 

طالع ... المصدر

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

النوبة .. ملاذُ السكينة على ضفاف النيل

اليمين النمساوي يطالب بحظر الرموز الإسلامية وسياسيون أيرلنديون يحثون على استيعاب المسلمين.. الأقليات المسلمة في أسبوع

اكبر حديقة ازهار في العالم.. 45 مليون زهرة وسط الصحراء