بولندا .. اليمين المتطرف يشعلها!


ترجمة: حسن شعيب
مع نهاية الحرب العالمية الأولى في 11 نوفمبر عام 1918، استعادت بولندا مكانتها على خريطة أوروبا بعد غياب 123 عاماً, والآن في يوم استقلال البلاد امتلأت سماء العاصمة بلون الوهج الأحمر واكتظت الشوارع بالدخان ليس عرضا للألعاب النارية، بل بسبب النيران التي أضرمها محتجون قوميون اتبعوا العنف منهجاً.
أضرم شبان ملثمون النيران في مَعلمين بارزين في العاصمة وارسو، وهما قوس قزح الكبير في وسط المدينة، وبرج الحراسة في السفارة الروسية، تعبيراً عن وجود توترات عميقة الجذور بين البلدين.
تشهد البلاد حالات من الفوضى في السنوات القليلة الماضية خلال احتفالات تخليد يوم الاستقلال, كما أنه قد أحرقت سيارات وأُلقيت قنابل المولوتوف في الهواء وطلب الآباء من أبنائهم أن يبقوا في المنازل في يوم عطلة وطنية يفترض أن تكون مرحة في دولة مستقرة وُصفت بأنها جزيرة أوروبا الخضراء أثناء الأزمة المالية، والتي لم تصل إلى مرحلة الخطر الاقتصادي كثيراً، بينما تعاني أوروبا من حولها، حيث كان العنف حاضراً بشكل بارز، في الذكرى السنوية الخامسة والتسعين لإقامة دولة بولندا.
كما استقطبت مسيرة الاستقلال التي نظمها الجناح اليميني عشرات الآلاف من المواطنين, حيث كان معظمهم مسالمين، وكثير منهم أسر معها أطفالها, إلا أن أعضاء من الجماعات اليمينية المتطرفة أفسدوا المسيرة، واشتبكوا مع الشرطة وخربوا المدينة. وحُطمت أرصفة وسيارات واقتلعت أشجار. واستخدمت الشرطة غاز الفلفل والرصاص المطاطي لتفريق المحتجين، على رغم أنها حاولت تفادي المواجهة إلى حد كبير.
كما احتجز 72 شخصاً، وأصيب 19 آخرون بحسب ما قالت قناة "تي. في. إن. 24" الإخبارية, وألغت سلطات المدينة المسيرة قبل ختامها المقرر, وكانت الجماعات اليمينية قد تدفقت إلى العاصمة في عشرات الحافلات التي عجت بها شوارع وسط المدينة. وهاجم المتطرفون تجمعين من الناس، وأحرقوا تصميماً لقوس قزح مثيراً للجدل يعتبره اليمينيون البولنديون رمزاً لقضية المثليين جنسياً.
من جانبه, قال عالم الاجتماع جاسك كشبنسكي لخدمة جازيتا الإخبارية على الإنترنت "إنهم يضطرمون بالرغبة في ضرب العالم كله, وهم لا يستطيعون ضرب العالم كله، ولذا فهم يضربون ما يعتبرونه أجنبياً", وقد يكون نصب قوس قزح في وسط المدينة هو أبرز رمز للانقسام في المجتمع البولندي حول عملية انتقال تدريجية ومؤلمة, برغم أن الفنان قصد به أن يكون قوة توحيد لكنه أصبح أحد أكثر العناصر إثارة للفرقة في المدينة.
وبرغم أن كثيرين يحتفون بالرمز إلا أنه تعرض منذ إنشائه للحرق خمس مرات آخرهم يوم 11 نوفمبر على يد محتجين قوميين، وهذه المرة أتت عليه النار كاملاً, كما أظهر مقطع مصور على اليوتيوب أحد القوميين المتطرفين، وهو يحاول إشعال لفافة تبغ من قوس قزح المحترق, بينما يُعلق بارتوس كوناكي العضو في البرلمان على صفحته على الإنترنت قائلاً "قوس قزح المنحرف يحترق".
من جهة أخرى, هاجم القوميون البولنديون السفارة الروسية، وألقوا بالألعاب النارية على المبنى الأثري الذي يقع على جادة أنيقة بوارسو، وأضرموا النار في برج المراقبة, وأثار الهجوم حفيظة روسيا، واستتبع اعتذاراً سريعاً من الحكومة البولندية, حيث قال السفير الروسي في بولندا "في السنوات القليلة الماضية لم يقع إلا هجوم واحد على بعثة دبلوماسية روسية وكان هذا في ليبيا".
كما طالبت السلطات الروسية بحزم بتقديم اعتذار وتعويض من بولندا, ووصف رئيس الوزراء البولندي دونالد توسك أفعال العدوان بأنها غير مقبولة, ويبدو أ المشاعر المناهضة لروسيا عميقة الجذور في بولندا، وتسبق الهيمنة السوفييتية أثناء الحرب الباردة, وروسيا متهمة بأنها السبب وراء الكثير من آلام بولندا، بل يتهمها أصحاب التفسيرات التآمرية بأنها وراء تحطم الطائرة الذي قتل فيه الرئيس البولندي ليش كاتشينسكي و95 آخرون من أفراد المؤسسة السياسية.
صحيحٌ أن المخربين من القوميين يمثلون مجموعة هامشية، فإن أفعالهم تعكس تحولاً كبير في المجتمع البولندي, فبعد انخفاض النمو الاقتصادي من 4,5 في المئة عام 2011 إلى 1,8 في المئة عام 2012، أصبح معدل البطالة 13 في المئة، كما يتزايد عدم رضا البولنديين على حكومتهم والاتحاد الأوروبي ومعيشتهم.
وتظهر استطلاعات الرأي أن حزب المعارضة الرئيسي، حزب "القانون والعدالة" الذي خرج من السلطة منذ عام 2007، يحصد الآن دعمًا أكبر على حساب حزب المنبر المدني الوسطي المؤيد لأوروبا الذي يراه كثيرون عاجزاً وضعيفاً.
إن التفاوت الاقتصادي بين طبقة الحضر المدنية التي تحصد فوائد عملية التحول في البلاد، وبين من لم يحصلوا على شيء في العملية، بالإضافة إلى التوترات بين الأفكار الغربية التقدمية عن المجتمع المدني والقيم التقليدية للمجتمع البولندي الكاثوليكي كل هذا خلق تربة خصبة للاستياء. 

طالع .... المصدر

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

النوبة .. ملاذُ السكينة على ضفاف النيل

اليمين النمساوي يطالب بحظر الرموز الإسلامية وسياسيون أيرلنديون يحثون على استيعاب المسلمين.. الأقليات المسلمة في أسبوع

اكبر حديقة ازهار في العالم.. 45 مليون زهرة وسط الصحراء