الديكتاتور ..المعنى السياسي والتعقيد الأخلاقي!
ترجمة: حسن شعيب
قد أتصور أنك تعتقد من هو الدكتاتور؟ وربما لا, إلا أن بعضهم لا جدال في استبدادهم مثل أدولف هتلر وجوزيف ستالين وماو تسي تونغ, كما كان حافظ الأسد وابنه بشار, لكن الوضع في عدة حالات ليس بهذه البساطة والوضوح.
من هؤلاء, دينج شياو بينج كان دكتاتورا, صحيح؟ بعد كل شيء, فقد كان رئيس الحزب الشيوعي في الصين من عام 1987 إلى عام 1992, ولم يكن منتخبا, وحكم بالخوف, كما وافق على ذبح المتظاهرين في ميدان تيانمين في بكين عام 1989, ولكنه قاد الصين أيضا باتجاه اقتصاد السوق الذي أدى إلى رفع مستوى المعيشة ودرجة حريات الأفراد للمزيد من الناس في فترة ربما تكون أقصر من أي وقت زمني آخر مسجل في التاريخ لمثل هذا التحول الاقتصادي, لذلك قد يجادل في تصنيف دينغ كواحد من أعظم الرجال في القرن العشرين.
وليس عدلا أن نضع دينغ في نفس الفئة مع صدام حسين, أو حتى مبارك, فكلاهما أدى حكمه العقيم إلى إذلال شعبه, برغم أن هؤلاء الرجال الثلاثة لم يأتي أحدهم إلى الحكم عن طريق الانتخابات, لكن هل يمكن وضعهم جميعهم في نفس المجموعة؟
وبالمثل, لي كوان يو و زين العابدين بن علي, فخلال المراحل الأولى لحكم كوان يو لسنغافورة تصرف بطريقة استبدادية, كما فعل بن علي طيلة فترة حكمه لتونس, لكن لي رفع مستوى المعيشة ونوعيتها في سنغافورة من دولة كانت مساوية لبعض أفقر الدول الإفريقية في الستينات إلى دولة تعادل أغنى الدول الغربية في بداية التسعينات.
كما وضع كوان يو أسسا للجدارة والحكم الرشيد والتخطيط الحضري على أساس عالمي, وعلى النقيض من ذلك كان بن علي, فقد كان سفاح خادم لأجهزة الأمن جمع ما بين التوحش وأقصى مستويات الفساد, كما كان الإصلاح غائبا تماما عن حكمه, مثل مبارك, فقد ضمن الاستقرار لحكمه ولكن لم يقدم أي شيء آخر.
من أجل ذلك كان تقسيم العالم ما بين أسود وأبيض بين الدكتاتوريين والديمقراطيين يفتقر تماما للمعنى السياسي والتعقيد الأخلاقي للوضع على الأرض في الكثير من البلاد, لذا ينبغي تبسيط الأنماط المعقدة حتى يسمح للناس
بإدراك الحقائق الأساسية التي ربما لا يدركوها في حالة عدم تبسيطها, ولكن ولأن الحقيقة ذات طبيعة معقدة, فإن الكثير من التبسيط يؤدي إلى رؤية بدائية للعالم, واحدة من أفضل الأمور بالنسبة للمثقفين والمتخصصين في الجغرافيا السياسية هي ميلهم لمكافأة التفكير المعقد وقدرتهم المصاحبة على رسم الأبعاد بصورة دقيقة.
في العديد من الحالات, لا ينبغي تصنيف حكام العالم ما بين أبيض وأسود, ولكن هناك ظلال كثيرة غير محدددة, تغطي الطيف ما بين الأسود والأبيض, فعندما حكم نواز شريف ومنافسته الراحلة بنظير بوتو, عندما حكموا باكستان بالتناوب في التسعينات, كانت إدارتهما رهيبة,كلاهما كان منتخبا, لكن كلاهما حكم بطريقة غير منضبطة وفاسدة وغير حكيمة مما جعل البلاد أقل استقرارا ومهدا الطريق لوجود حكم العسكر, لقد كانا ديمقراطيين ولكنهما لم يكونا ليبراليين.
الملك حسين ملك الأردن الراحل والراحل بارك تشونغ في كوريا الجنوبية كانا دكتاتوريان, ولكن الديناميكية والحكم المستنير أدى إلى تغيير قطع جغرافية غير مستقرة وجلبا لهما النمو وحالة من الاستقرار النسبي. لقد كانا دكتاتوريان ولكنها ليبراليان في نفس الوقت.
وسط هذا التعقيد السياسي والأخلاقي الذي يعصف بمناطق مختلفة من الأرض, ظهرت بعض النماذج الأخرى. على العموم, الدكتاتوريون الآسيويون حكموا بطريقة أفضل من نظرائهم الشرق أوسطيين, دينج في الصين, لي في سنغافورة, بارك في كوريا الجنوبية, مهاتير محمد في ماليزيا, تشيانغ كاي تشيك في تايوان, جميعهم كانوا مستبدين بدرجة أو بأخرى, ولكن شموليتهم قادت إلى تطور اقتصادي وتكنولوجي وإلى حكم أفضل وإلى تحسين نوعية الحياة.
الأهم من ذلك كله, فإن حكمهم, مهما كان ناقصا, أدى إلى تحسين وضع مجتمعاتهم وبالتالي التحول نحو الإصلاحات الديمقراطية فيما بعد, جميع هؤلاء الرجال, من ضمنهم مهاتير المسلم, تاثروا كثيرا باحترام التسلسل الهرمي وكبار السن وبشكل عام الحياة الأخلاقية العامة في هذا العالم.
وبدون شك, يتعارض هذا مع الدكتاتوريين العرب مثل بن علي في تونس ومبارك في مصر وصدام في العراق وعائلة الأسد في سوريا, كما أنه صحيح أن بن علي ومبارك كانا أقل قمعا من صدام والأسد الراحل, وعلاوة على ذلك
فقد شجع كل من بن علي ومبارك على بعض التطور في الطبقة المتوسطة في بلادهم, ولكنهما لم يكونا مصلحين أخلاقيين بأي شكل من الأشكال.
وبالطبع صدام والأسد كانا متوحشين تماما, فقد حكموا البلاد بطريقة خانقة من القمع بحيث حولوها إلى زنزانة صغيرة, حيث حكم كل من صدام والأسد مدفوعان بالبعثية, وهي صورة من صورة الاشتراكية العربية التي تعارض بشراسة الاستعمار الغربي ولكنها خلقت حالة استبداد سيئة جدا.
خارج الشرق الأوسط وآسيا هناك حالة روسيا, في التسعينات, حكم بوريس يلتسن البلاد, وهو رجل أشاد الغرب به على أنه ديمقراطي, ولكن حكمه غير المنضبط أدى إلى حالة من الفوضى الاقتصادية والاجتماعية, فلاديمير بوتين, من ناحية أخرى, أكثر قربا من الاستبداد – وهو يظهر ذلك بصورة متسارعة- ويحظى بحالة من الازدراء في الغرب.
ولكن, وبمساعدة أسعار الطاقة المتزايدة, أعاد روسيا إلى نوع من أنواع الاستقرار, وبهذا حسن بصورة سريعة نوعية الحياة بالنسبة للروسي العادي, وقام بذلك دون اللجوء إلى مستوى الاستبداد- مع اختفاء تام لمخيمات العمل في سيبيريا- العائد إلى القياصرة القدماء.
وأخيرا, هناك قضية أخلاقية أكثر إرباكا بالنسبة للجميع وهي قضية الدكتاتور التشيلي الراحل أوغستو بينوشيه. في السبعينات والثمانينات, خلق بينوشيه أكثر من مليون فرصة عمل, وعمل على تخفيض معدل الفقر من ثلث عدد السكان إلى أقل من العشر, وخفض معدل وفيات الأطفال من 78 لكل 1000 إلى 18.
في عهد بينوشيه, كانت تشيلي واحدة من الدول غير الآسيوية القليلة في العالم التي شهدت معدل نمو اقتصادي مرتفع في ذلك الوقت, لقد أعد بينوشيه بلاده بصورة جيدة للديمقراطية, حتى أن سياسته الاقتصادية أصبحت نموذجا للنمو في عالم ما بعد الشيوعية, ولكن بينوشيه كان موضعا للكراهية ما بين الليبراليين والحقوقيين في العالم بسبب سنوات من ممارسة التعذيب الممنهح ضد عشرات الآلاف من الضحايا, وهكذا أين يمكن وضعه ضمن الطيف ما بين الأسود والأبيض؟
ليست الشئون الدولية فقط هي من يمتلك ظلالا غير محددة, ولكن في بعض الأحيان يصبح من المستحيل معرفة أين يمكن تصنيف شخص ما على هذا الطيف, إن قضية ما إذا كانت الغايات تبرر الوسائل لا يجب أن يتم الإجابة
عليها من خلال الأسلوب الميتافيزيقي, ولكن يجب الإجابة عليه من خلال الملاحظة التجريبية, حيث إن بعض الغايات تبرر الوسائل, وبعضها لا, وهكذا هي معضلة العالم السياسية والأخلاقية.
-------------------------------
طالع .. المصدر
تعليقات